ومن الأدلَّة على بقاء تلك النيّات الكلَّيّة وعدم انقطاعها بالموت ما أخبر الله عزّ اسمه عن الكفّار بقوله * ( ولَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا ونَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْه وإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) * [1] . فهم أظهروا الندم نفاقاً ؛ لما انطوت عليه حقائقهم من لوازمها التي هي من دخان الجهل ، مع بقاء نيّاتهم الكلَّيّة التي لزمتها نفوسهم ، وتغذّت بها وظهرت بصفاتها ؛ ولذا كذّبهم الله تعالى فأخبر بأنهم كاذبون في إظهار الندم ، وأن الذي حملهم على إظهار الندم نفاقاً هو ظهور حقّيّة ما كذّبوا به وظهور كفرهم وضلالهم ، فأظهروا الندم تمنّياً لزوال العذاب عنهم بذلك ، وهو دليل على أنهم لم يقلعوا عن نيّة التكذيب بآيات الله . ويؤيّد أن تمنّيَهم ذلك إنما هو نفاق ، ما رواه العياشيّ [2] : في تفسير هذه الآية عن الصادق عليه السلام أنها نزلت في بني أُميّة ؛ فإن المنافق في الدنيا منافق في الآخرة ، بل ومنافق في الذرّ ، فنفاقه في الذرّ لا يزايله في الدنيا والآخرة . وأنت إذا تأمّلت الكتاب والسنّة لم يعسر عليك الدلالة على هذا . وبالجملة ، فخبر التخليد بالنيّات يراد به النيّات الكلَّيّة للمنويّ الكلَّيّ ، وخبر الباب الدالّ على أنه لا يُؤاخَذ بالنيّة المجرّدة عن العمل ، مخصوص بما فصّلناه ، وندامة الكافر والعاصي إذا لم يكن مؤمناً نفاق ، فسقط السؤال وانكشف الحال . ثمّ قال رحمه الله في الجواب عن الإشكال : ( فقلت له : أوّلًا : إن هذه النيّة موجبة للخلود لدلالة الحديث عليه بلا معارض ، فوجب التسليم والقبول ) [3] . أقول : ليس الإشكال إلَّا في دلالته على ذلك ووجوب تسليمه ، وقبوله على ما
[1] الأنعام : 27 28 . [2] تفسير العيّاشي 1 : 388 390 ، ورواه في تفسير القمّي 1 : 224 . [3] شرح أُصول الكافي 10 : 146 .