والطاقات ، وتعاطي الأفكار بعضها ببعض ، كما هو ظاهر ، فالإنسان إذا عاش في غير المجتمع كان كأحد الحيوانات ، وإنّما أعطاه الله الميل والتجاذب نحو هذا اللون من الحياة كي يحصل على هذه المنافع العظيمة ، والكمال اللائق بحاله في جانبيه المعنوي والمادي ، وقد أكد الشارع المقدس الإسلامي على الاحتفاظ بهذا النوع من الحياة ، وجعله كأصل ثابت ، وكحجر أساسي في جميع أحكامه وقوانينه ، كما لا يخفى على من سبر أحكام الإسلام بالدقة والتأمّل . ثمّ من الواضح أن حياة الإنسان في المجتمع ، على رغم شتى البركات والمنافع الضرورية ، لا تخلو عن منافسات واختلافات ومنازعات ، لا لغلبة الشهوات على الناس فحسب ، بل لما يقع هناك من الخطأ في تشخيص الحقوق وحدودها ، فلا بدّ لهم من قوانين تبين لهم ما يستحق كلّ واحد منهم ، وما هو طريق التخلَّص من التزاحم وردّ التعدي والتجاوز ، وغير ذلك ، وهذه القوانين بنفسها لا أثر لها في نفي هذه الأمور ، حتّى يكون هناك من ينفذها ويجريها ، ولا يتحقق ذلك إلَّا بقيام الحكومة ولو بشكل بسيط . ولذا اتّفق المتكلمون من أصحابنا وغيرهم ، على أن الإمامة واجبة بين المسلمين إلَّا ما قد يحكى عن أبي بكر الأصم من العامّة أنها غير واجبة ، إذا تناصفت الأمة ولم تتظالم ، وهو شاذ جدّاً [1] . وكذا اتفق العقلاء من جميع الأمم على ضرورة الحكومة للمجتمعات البشرية عدا ما يلوح من الشيوعيين من عدم لزومها بعد تحقّق التكامل لأبناء البشر ، وبعد طرد النظام الطبقي فإن الحكومة إنّما شرّعت لحفظ مصالح الطبقة الحاكمة ، فإذا انتفى هذا النظام انتفت الحكومة .
[1] حكاه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 2 ص 308 .