هذا ولكن هنا إشكال ، وهو أنّ المستفاد من مجموع الأخبار الواردة في الزكاة ، تقدير الله تعالى أقوات الفقراء في أموال الأغنياء وهذا التقدير بمكان من التدقيق بحيث لو عمل الأغنياء بما وجب عليهم لما وجد في المجتمع في ظلَّ حكم إسلامي فقير ولا محتاج مسكين . بيان ذلك : أن الشارع الأقدس قد رأى أن المعاملات الرائجة بين الناس تنحصر في أمور ثلاثة من التجارة والزراعة وتربية المواشي ، والتجارة في قديم الأيّام كانت تدور على مدار الذهب والفضة ، فلذا أمر الشارع بوجوب أداء زكاة النقدين فيما إذا أخرجا عن مدار المعاملة وحُبسا في البيوت ، وبما أنّ مدار المعاملات في زماننا هي النقود الورقية ، فتأتي فيه علَّة وجوب الزكاة في النقدين فتجب فيها الزكاة ، وبعبارة أخرى الزكاة إنّما تجب في النقدين بما أنهما نقدان رائجان لا بما أنهما جنسان مخصوصان ، فتجب في كلّ نقد رائج ذهباً كان أو فضة أو غيرهما وإن أبيت عمّا ذكرنا وأخرجت الذهب والفضة عن دائرة شمول الزكاة لكونهما غير مسكوكين رائجين في زماننا ، فكيف تقول بكفاية الزكاة لقضاء حاجات الفقراء مع أن أكثر المواشي في زماننا معلوفة وليست بسائمة حتّى تشملها الزكاة فلا تبقى للزكاة إلَّا الغلات الأربع والزكاة الواجبة فيها إنّما هي نصف عشرها ، فهل هذا هو الزكاة التي وصفت بأنها تسدّ حاجات الفقراء ؟ ! أقول : أوّلًا أنّ ما يصرف لسدّ حاجات المحتاجين ليس هي الزكاة فقط ، بل هناك واجب مالي آخر وهو الخُمس ، الذي يصرف نصفه بعنوان سهم الإمام في الأمور المرضية عند الشارع ، كإقامة الحوزات العلمية الدينية وطبع الكتب الإسلامية ورفع حوائج الفقراء ، ونصفه الآخر بعنوان سهم السادة في سدّ حوائجهم ، ومن الواضح أن الخُمس أكثر مقداراً ومورداً من الزكاة ، إذ الزكاة في