مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية ويستنزرونه ، وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل ، ويقولون : إنهم أهل حشو ومناقضة ، وإن من ينفي القياس والاجتهاد [1] لا طريق له إلى كثرة المسائل ، ولا التفريع على الأصول ، لأن جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين ، وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة تأمل لأصولنا ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا . . . " . ثم يقول بعد ذلك : " وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع ، فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على مذاهبنا ، لا على وجه القياس ، بل على طريقة توجب علما يجب العمل عليها ويسوغ الوصول إليها ، من البناء على الأصل ، وبراءة الذمة ، وغير ذلك . . . " . ثم يقول بعد ذلك : " وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك ، تتوق إليه نفسي ، فتقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل ، وتضعف نيتي أيضا فيه قلة رغبة هذه الطائفة ، وترك عنايتهم به ، لأنهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ ، حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لديهم لعجبوا منها وقصر فهمهم عنها . . . " [1] . وكلامه الأخير إشارة إلى طريقة بعض الطائفة الذين اتخذوا العمل بظاهر الأخبار فحسب طريقا للاستنباط كما سنشير إليه . موقف الاجتهاد - في مذهب أهل البيت - من العقل : إن المدركات العقلية على نحوين : الأول - المدركات العقلية الكاملة : وهي التي لا تحتمل الخطأ ، كحكمنا بأن اجتماع النقيضين محال ، أو أن المعدن يتمدد بالحرارة وأمثال ذلك ، سواء كانت هذه المدركات بديهية أو ثابتة بالتجربة . الثاني - المدركات العقلية الناقصة : وهي التي يحتمل فيها الخطأ كحكمنا بأن
[1] مقصوده من الاجتهاد - هنا - هو معناه الخاص الذي يرادف الرأي . [1] المبسوط 1 : 1 .