مناطاتها بحسب مقام الثبوت ويحتمل ارتفاع المناط عند الحرج ، ولا نستبعده وذلك مثل إطاعة الوالدين . ألا ترى أنّه لو أمرك الوالد بوضع ما يصنع من الكاغذ شبه القلنسوة على رأسك والمشي في مجمع من الناس ، فهل ترى ارتفاع وجوب الإطاعة حينئذ مستبعدا بعيدا عن مذاق أهل الشرع كاستبعادهم في الحرج بترك شرب الخمر ؟ ففي هذا القسم لنا دليلان بحسب مقام الإثبات متعارضان : الأوّل : على التحريم وهو إطلاق دليل تحريم أصل العمل . والثاني : على جوازه وهو عموم لا حرج ومن المعلوم حكومة الثاني على الأوّل . إذا عرفت ذلك . فنقول : مقامنا قد اجتمع فيه عنوانان : أحدهما عنوان دفع الرشوة ، والثاني عنوان الإعانة على أخذ الرشوة الذي هو الإثم . ومن الواضح كون كلّ من العنوانين من القسم الثاني ، فالتمسّك بعموم لا حرج ، لا مانع فيه . فإن قلت : الحاكم الآخذ للرشوة فاسق لا محالة ، فإذا توقف الأمر على إجباره من عليه الحقّ وتولَّيه بنفسه لإخراج الحق من ماله لم يتعيّن الحقّ إذا لم يكن عينا خارجيّا وكان كليّا في الذمّة فيما عيّنه ، فكيف يجوز للدافع أخذه ؟ قلت : يمكن أخذه إيّاه حينئذ من باب المقاصّة لعدم حاجتها إلى اذن الحاكم كذا ذكره الأستاذ - دام ظلَّه . فإن قلت : فأين الأخبار الدالَّة على أنّ من ترافع إلى قضاة الجور فما أخذه بحكمهم سحت وإن كان حقّه ثابتا ؟ قلت : مصبّ تلك الأخبار قضاة المخالفين الذين هم غاصبون للمناصب الإلهية من أهلها .