بينهن قيد شعرة مع جمعه لهن في منزل واحد واختلافهن في السن والجمال وسائر الجهات التي تستهوي النفوس ونحن نجد في الكثير الغالب ان الرجل الصلب القوي قد يعجز عن ارضاء زوجتين وإقامة ميزان العدل بينهن على أتم حدوده ومقاييسه ، ولا بد ان ترجح إحدى الكفتين عنده ولو قليلاً مهما بالغ في التحفظ والكتمان فكيف بمن يحسن معاشرة تسع نساء ، أو أكثر في منزل واحد فيرضى الجميع ويعدل بين الكل ويخضعنَّ له جميعاً وهن ( حبائل الشيطان ) ولا يرضيهن في الغالب كل ما في الكون من ثروة وسلطان حتى ان إحدى زوجاته وهي سودة بنت زمعة [1] لما أراد النبي طلاقها وهبت لعائشة ليلتها ولم ترضَ
[1] سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية . عدها شيخ الطائفة الطوسي ( قده ) في رجاله من الصحابيات وكذلك جمع من العلماء أهل السنة وكانت قبل ان يتزوجها رسول الله ( ص ) تحت ابن عم لها يقال له : السكران بن عمرو . ولما أسلمت وبايعت النبي ( ص ) اسلم زوجها معها وهاجرا جميعاً إلى ارض الحبشة فلما توفي عنها تزوجها رسول الله ( ص ) وكان ذلك في شهر رمضان سنة عشر من النبوة بعد وفاة خديجة بمكة وقيل سنة ثمان للهجرة على صداق قدره أربعمائة درهم وهاجر بها إلى المدينة وكانت امرأة ثقيلة ثبطة ومن فواضل عصرها وأسنت عند رسول الله ( ص ) ولم تصب منه ولداً . ووهبت ليلتها لعائشة حين أراد طلاقها فقالت : لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة لا رغبة لي في الرجال وإنما أريد ان احشر في أزواجك ففعل ( ص ) فنزلت : فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما والصلح خير . وروى محمد بن إسحاق عن حكيم بن حكيم عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ( ع ) قال : كان جميع ما تزوج رسول الله ( ص ) خمس عشرة امرأة وكان أول امرأة تزوجها بعد خديجة بنت خويلد سودة بنت زمعة . وذكر النسابة محمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة ( 245 ) ه بسر من رأى في زمن خلافة المتوكل العباسي - في كتابه ( المحبر ) ص 79 طبعة حيدر آباد الدكن . ان سودة ( كانت قد رأت في المنام ان النبي ( ص ) اقبل يمشي حتى وطئ على عنقها فأخبرت زوجها فقال : وأبيك لأن صدقت رؤياك لأموتن محمد ( ص ) ثم رأت في المنام ليلة أخرى كأن قمراً انقض عليها من السماء وهي مضطجعة فأخبرت زوجها فقال : وأبيك لا البث إلا يسيراً حتى أموت ثم تتزوجين من بعدي فأشتكى السكران من يومه ذلك فلم يلبث إلا قليلا حتى مات ، فتزوجها النبي ( ص ) ثم طلقها تطليقة وكانت كبرت فبلغها ذلك فجمعت ثيابها ، ثم جلست على طريقه الذي يخرج منه إلى الصلاة فما دنا منها بكت ، ثم قالت : يا رسول الله ( ص ) هل غمصت عليّ في الإسلام ؟ فقال : اللهم لا ، فقالت : فأني أسألك لما راجعتني فراجعها فقالت له : يا رسول الله ( ص ) يومي لعائشة في رضاك لأنظر إلى وجهك فوالله ما بي ما تريد النساء ولكني أحب ان يبعثني الله في نسائك يوم القيامة وكانت حاضنة ولده ( ص ) توفيت سودة بالمدينة في شوال سنة ( 54 ) ه . ثم ان سودة التي كانت في زمن خلافة أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) هي سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية وهي شاعرة من شواعر العرب ذات فصاحة وبيان ووفدت على معاوية فأستأذنت عليه فأذن لها : فلما دخلت عليه سلمت فقال لها : كيف أنت يا ابنة الأشتر ؟ قالت بخير قال لها : أنت القائلة لأبيك : شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة * يوم الطعان وملتقى الأقران وانصر علياً والحسين ورهطه * وأقص لهند وابنها بهوان ان الإمام أخا النبي محمد * علم الهدى ومنارة الأيمان فقد الجيوش وسر إمام لوائه * قدماً بأبيض صارم وسنان قالت : أي والله ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب قال لها : فما حملك على ذلك ؟ قالت : ( حب علي واتباع الحق ) إلى آخر كلامها مع معاوية . ولله درها وقد أشادت بالحق وصدعت بما يرضي الله ورسوله ( ص ) وصارحت بما في نفسها من حب أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) وجاهرت به في وجه معاوية عدو الإسلام ومبغضه الذي صارت الخلافة الإسلامية بيده ملكاً عضوضاً وسلطنة كسروية . « المصادر » انظر بلاغات النساء . العقد الفريد . رجال الشيخ الطوسي . تنقيح المقال . أسد الغابة . الإصابة . الاستيعاب . طبقات ابن سعد . المحبر . التاريخ الصغير للبخاري . شرح الزرقاني على المواهب . اعلام النساء - . القاضي الطباطبائي