تلك الروح فيه فهو حي ، وإلا فهو ميت إلا الصوم فقد كاد بل كان روحاً مجردة ، وحياة متمحضة لا جسم له ولا مادة ، وهذه ميزة امتاز بها الصوم عن سائر العبادات ، ولم يشاركه فيها سوى الاحرام ؛ فان الصيام والاحرام كل منهما تروك محضة ، وعدميات صرفه ، ليس فيها من الاعمال الجسمانية شيء ، ولكن الاحرام فضحته ثياب الاحرام ولبسها وبقي الصيام محتفظاً بروحيته وتجرده من كل عمل ظاهري ، ولم يتجاوز عن كونه نية خالصة ، وعبادة قلبية خفية ، لا يعلم بها إلا صاحبها وربه العالم بالسرائر , ومن هنا اختص الصوم بميزة انفرد بها دون كل عبادة ، وهي عدم امكان دخول الرياء فيه بل يستحيل ذلك إلا بالقول ، فيكون الرياء حين ذلك بالعبارة لا بالعبادة ، وبالكلام لا بالصيام والاحرام أيضاً بجوهره وان كان نية وتروكاً كالصوم ألا ان الاحرام فيه عمل واحد وجودي ؛ وهو لبس ثياب الاحرام ، ومنه قد يتأتى تدخل الرياء فيه ، بخلاف الصوم المتمحض في النية والتروك فقط فهو عبادة صامتة خرساء ، ومعاملة سرية بين القلب والرب ، ولعل هذا هو المراد من الحديث المشهور ( الصوم لي وأنا أجزي به ) مبنياً للفاعل ، فيكون القصد انه تعالى تكريماً للصائم يتولى جزاءه مباشرة من دون وسائط الفيض ، وعلى المفعول : فيكون المراد انه هو جزائي واللائق بمقام عظمتي وتجردي ، فان الصائم يتجرد ويصير روحانياً ، والمتخلق باخلاق الروحانيين يلحق بهم ، وبكون لحوقه بهم جزاؤه لهم سواء عاد الضمير إلى الصوم أو للصائم هذا مضافاً إلى ما يتضمنه الصوم من الفوائد الصحية ، والرياضة البدنية ، وتربية قوة الإرادة ، ومضاء العزم ، وتهذيب