سواء ، ليس شيء منها في نفسه بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ، ولا ذمّ فاعله وعقابه ، وإنّما صارت بسبب أمر الشارع بها ونهيه عنها ، وعند المعتزلة عقليّ ; فإنّهم قالوا : للفعل في نفسه مع قطع النظر عن الشرع جهة محسّنة مقتضية لاستحقاق فاعله مدحاً وثواباً ، ومقبّحة مقتضية لاستحقاق فاعله ذمّاً وعقاباً . ثمّ إنّ تلك الجهة قد تدرك بالعقل بالضرورة من غير تأمّل وفكر ، كحسن الصدق النافع وقبح الكذب غير النافع مثلا ، وقد لا تدرك بالعقل لا بالضرورة ولا بالنظر ، لكن إذا ورد به الشرع علم أنّ ثمّة جهة محسّنة ، كما في صوم آخر رمضان من حيث أوجبه الشارع ، أو جهة مقبّحة كصوم أوّل يوم من شوّال حيث حرّمه الشارع ، فإدراك الحسن والقبح في هذا القسم موقوف على كشف الشرع عنهما بأمره ونهيه ، وأمّا كشفه عنهما في القسمين الأوّلين فهو مؤيّد لحكم العقل بهما إمّا بالضرورة أو بنظره . ثمّ إنّهم اختلفوا : فذهب الأوائل منهم إلى أنّ حسن الأفعال وقبحها لذواتها لا لصفات فيها تقتضيهما . وذهب بعض المتقدّمين إلى إثبات صفة حقيقيّة توجب ذلك مطلقاً أي في الحسن والقبح جميعاً ، فقالوا : ليس حسن الفعل وقبحه لذاته كما ذهب إليه بعض من تقدّمنا من أصحابنا ، بل لما فيه من صفة موجبة لأحدهما . وذهب أبو الحسين من متأخّريهم إلى إثبات صفة في القبيح مقتضية لقبحه دون الحسن ; إذ لا حاجة له إلى صفة محسّنة له ، بل يكفيه لحسنه انتفاء الصفة المقبّحة .