العقود والإيقاعات وما يرتبط بسياسة المدن بشتّى نواحيها وتدبير المنازل والمشاغل بالعقل والرشد ، وأمّا البحث عن كون العقل من المنابع الفقهيّة والأدلّة الأربعة المعروفة - فيكون في قبال الكتاب والسنّة والإجماع - فهذا التنبيه محلّ البحث عنه وميدان سباقه . فنقول : تحقيق المقام في هذا المرام حسبما يظهر من كلام الأعلام ومشايخنا العظام - قدّس الله أرواح أمواتهم ودامت بركات أحيائهم - في كتبهم النفيسة وما استفدته من دراساتهم الرشيقة ، يتمّ ضمن أُمور : الأمر الأوّل : أنّ العقل ينقسم عندهم إلى عقل نظري وعقل عملي ، والمراد بالعقل النظري : إدراك ما ينبغي أن يعلم ; أي إدراك الأُمور التي لها واقع ، والمراد بالعقل العملي : حكم العقل بأنّ هذا الفعل ينبغي فعله أو لا ينبغي ، فلا بدّ لنا من تبيين مرادهم في هذا البحث : قال بعض الأعلام : « إن كان المراد العقل النظري فلا يمكن أن يستقلّ بإدراك الأحكام الشرعيّة ابتداءً ، أي لا طريق للعقل لأن يعلم من دون السماع من مبلِّغ الأحكام المنصوب من قبله تعالى لتبليغها ; ضرورة أنّ أحكام الله ليست من القضايا الأوّلية ، وليست ممّا تنالها المشاهدة بالبصر ونحوه من الحواسّ الظاهرة بل الباطنة ، وليست ممّا تنالها التجربة والحدس ، وإذا كانت كذلك كيف يمكن العلم بها من غير طريق السماع من مبلِّغها ؟ ! وكذلك ملاكات الأحكام لا يمكن العلم بها إلاّ من طريق السماع من مبلِّغ الأحكام ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً . وأمّا حكمه بالملازمة بين الحكم الثابث شرعاً أو عقلا وبين حكم