فلما كانت سنة ثماني عشرة من الهجرة - وهى السنة الثامنة من خلافته [1] أتته الوفود ، منهم وفد البصرة وفيهم الأحنف بن قيس ، فكلم عمر بن الخطاب في مصالح أهل البصرة ، فبعث معقل بن يسار ، فاحتفر نهر معقل [2] ، الذي قيل فيه : ( إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ) ووضع الجريب [3] والدرهمين في الشهر . فضرب حينئذ عمر الدراهم على نقش الكسروية وشكلها بأعيانها . غير أنه زاد في بعضها : ( الحمد الله ) وفي بعضها : ( محمد رسول الله ) وفي بعضها : ( لا إله إلا الله وحده ) وفي آخر مدة عمر وزن كل عشرة دراهم ستة مثاقيل . فلما بويع عثمان بن عفان ضرب في خلافته دراهم ، نقشها : " الله أكبر " . فلما اجتمع الأمر لمعاوية بن أبي سفيان وجمع لزياد بن أبيه الكوفة والبصرة قال : إن عمر بن الخطاب صغر الدرهم ، وكبر القفيز [4] ، وصارت تؤخذ عليه ضريبة أرزاق الجند ، وترزق عليه الذرية ، طلبا للإحسان إلى الرعية ، فلو جعلت أنت عيارا دون ذلك العيار ، ازدادت الرعية به مرفقا ، ومضت لك السنة الصالحة فضرب معاوية تلك الدراهم السود الناقصة من ستة دوانيق ، فتكون
[1] كذا ، والصحيح السنة السادسة . [2] معقل وزان مجلس معروف إلى اليوم في البصرة ، وغدا محلة كبيرة ، ويسميها بعض العوام ( مارگيل ) نقل عن الانگليز MARGEEI وسبب هذا التصحيف أن ليس لأبناء بريطانية الكبرى ( عين ) في كلامهم ، فوضعوا ( راء ) في مكانها ثم زادوا الفتحة مدا فصارت ألفا ونطقوا بالقاف گافا فارسية فصارت مارگيل كما ترى . ( النقود العربية ص 31 ) [3] الجريب : أهل البصرة يعرفون الجريب إلى عهدنا هذا وهو عندهم نحو من مائة نخلة ومن غير النخيل أرض سعتها هكتار . ويسمى الجريبان الاثنان : فنجانا ، قال في لسان العرب في مادة ( جرب ) : ( الجريب من الأرض نصف الفنجان ) اه فيكون الفنجان مقدار جريبين والفنجان كلمة فارسية هي ( پنكان ) وهى ساعة مائية تستقى الأرض فيها ماء حتى يبلغ المسقى منها جريبين ، وأما الجريب فكان الارميون وهم أهل الزراعة في العراق يسمونه أيضا جريبا ، قالوا : وهو مقدار أربعة أقفزة ( النقود العربية ص 31 ) . [4] القفيز من الأرض ، قدر مائة وأربع وأربعين ذراعا والجمع أقفزه وقفزان ( القاموس ) .