وثانيا - بأن القرآن اسم للجنس [1] يقع على البعض والكل فيسمى بعض القرآن قرآنا أيضا . ومنها : أن القرآن لو كان فيه من لغة غير العرب شئ ، لتوهم المتوهم بأن العرب إنما عجزت عن الاتيان بمثله ، لأنه اتي بلغات لا يعرفونها . وفيه انه لم يختص المعارضة بالاتيان بجميعه ، بل ناديهم على أن يأتوا بعشر سور [2] بل سورة واحدة مثله [3] ومن الواضح أن السور العربية المحضة كثيرة جدا . فلو استطاعوا أو وجدوا إلى ذلك سبيلا ، لأتوا ولو بسورة واحدة ليسقطوا حجة الرسول ، ويسجلوا لأنفسهم الشرف والغلبة . ومنها : أن الألفاظ التي ورد ذكرها في القرآن ، وروى عن ابن عباس و غيره تفسيرها بأنها فارسية ، أو حبشية ، أو نبطية ، أو نحو ذلك ، إنما هو لتوارد اللغات فيها فاتفق أن العرب ، والفرس والحبشة ، تكلموا بها بلفظ واحد . وقال في المزهر : قال أبو عبيدة : . . . وقد يوافق اللفظ اللفظ ويقاربه ومعناهما واحد ، واحدهما بالعربية ، والاخر بالفارسية ، أو غيرها . قال : فمن ذلك ( الاستبرق ) وهو الغليظ من الديباج ، وهو ( استبره ) [4] بالفارسية أو غيرها . قال : وأهل مكة
[1] به صرح جمع من المفسرين ، كالزمخشري في الكشاف ، والبيضاوي ، والنسفي في مدارك التنزيل . والخازن في لباب التأويل ، والطنطاوي وغيرهم - ( راجع سورة يوسف : 2 ) [2] هود ( 16 ) ( أم يقولون أفتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) . [3] البقرة ( : 21 ) ( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) يونس ( : 39 ) أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ) . [4] قال الجواليقي في المعرب : ( الاستبرق : غليظ الديباج فارسي معرب واصله : ( استفرة ) وقال ابن دريد : ( استروه ) ونقل من العجمية إلى العربية ، وفي الصحاح ( الاستبرق ) الديباج الغليظ الفارسي معرب . وفي النهاية الأثيرية : قد تكرر ذكر الاستبرق في الحديث وهو ما غلظ من الحرير والإبريسم وهى لفظة أعجمية معربة أصلها ( استبره ) . . . وذكرها الأزهري في خماسي القاف على أن همزتها وحدها زائدة ، و قال : أصلها بالفارسية ( استفره ) وقال أيضا أنها وأمثالها من الألفاظ حروف عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية وقال هذا عندي هو الصواب . وفي القاموس ( استبرق ) : الديباج الغليظ فارسي معرب . وفي اللسان : قال الزجاج : وهو اسم أعجمي أصل بالفارسية ( استقره ) ( كذا في الأصل الموجود عندنا ولكن عن بعض النسخ ( استفرة ) بالفاء نحو ما في المعرب ) ونقل من العجمية إلى العربية .