الترقي أما تاريخ ترقيها لها فلم تفصله صحف الأولين تفصيلا وافيا ، وما ذكرته منه مزجته بالخرافات والتقاليد حتى يعسر استخلاص صحيحه من فاسده . وقد عانى الباحثون من المتأخرين أتعابا شاقة في جميع أقاويل الأولين وتصفيتها وبذلوا الدرهم الوضاح في ابتياع كل ما عثروا عليه من النقود القديمة حتى وقفوا على نتيجة مرضية ، وسنورد في هذا المقالة خلاصة ما اتصلوا إليه مما يناسب المقام ، معتمدين على مقالة نفيسة في هذا الباب للبك الشهير ، وعلى بعض الكتب الحديثة : من رام البحث عن أصل النقود ، وعن أكثر وسائط العمران ، لزمه العود إلى مهد المعارف والصنائع ، إلى بلاد الصين العظيمة التي سبقت كل العالم إلى رياض التمدن ، فقد وجد في هذه البلاد نقود ضربت فيها قبل ميلاد المسيح بنحو ألفين ومائتين وخمسين سنة ، ومن هذه النقود ما شكله كالقميص أو كالسكين ، كأنهم كانوا يبيعون ويشترون بالأقمصة والسكاكين . ثم لما انتبهوا لابدالها بقطع من المعدن ، جعلوا شكل القطع كشكل الأقمصة والسكاكين فصارت السلعة التي تساوي عشرين قميصا تساوي عشرين بوا ( وهو اسم الفلس الذي بشكل القميص ) والسلعة التي تساوي خمسين سكينا تساوي خمسين تاوا ( اسم الفلس الذي بشكل السكين ) . ولا يخفى أن هذه النقود عسرة الحمل والنقل ، وأول من انتبه لذلك ، وتلافاه أيضا الصينيون فإنهم قالوا : إن النقود التي تدور العالم يجب أن تكون مستديرة ، فضربوها كذلك ولكنهم سبكوها سبكا فأضحت هدفا للتزييف حتى أنك لترى تاريخ نقود الصين مجموع أوامر على أوامر ، لمنع زيف النقود ولارجاعها إلى ميزانها . وحدث مرة أن نشرت في تلك البلاد نقود جلد تضاهي أوراق البنك في أيامنا أو نقود الجلد الروسية ، وذلك أن خزينتها فرغت من النقود في أيام الملك " أوتي " قبل المسيح بمائة وتسع عشرة سنة ، وكان من عادة أمرائها أن يغطوا وجوههم بجلد حينما يمثلون بحضرة الملك ، فارتأى وزيره أن لا يغطي الامراء وجوههم إلا