وأنه كما يرسل الرياح فكذا يرسل وينزل الماء الطهور ، لاحياء الأراضي الموات ، فالطهارة هنا صفة في الماء صفة ذاتية ، من غير نظر إلى مطهريته للأفراد من الخبائث والأحداث . وبعبارة أخرى : المطهرية من صفات الماء ، وليست مجعولة عليه وإن أمكن سلبها عنه ، كما في الماء النجس ، فهي لتلك الجهة قابلة للجعل ، بخلاف الطهور ، فإنه من الصفات الطبيعية له ، فكأنه أريد هنا بيان الوصف الطبيعي ، الذي عليه يترتب سقي الأراضي والناس الكثير . وفي قوله : ( أناسي كثيرا ) شهادة على أن الماء فيه هو ماء المطر وطائفة من المياه ، لا مطلقه ، فالآية إما أجنبية عن مسألتنا ، أو قاصرة عن إفادة المقصود بعد ما ورد في ذيلها قطعا . هذا مع أنه لا يفيد العمومين الأخيرين ، وهو مطهريته من جميع الأحداث ، والأخباث ، فربما يكون مثل الشمس ، فإنها مطهرة لغير المنقولات ، على ما تقرر في محله ( 1 ) . وما ذكرناه لا ينافي كون الآية في مقام الامتنان ، لأن الماء المنزل هو الذي فيه الخواص الكثيرة المترتبة عليها ، مع أنها في مقام الهداية وإرشادهم إلى الاعتقاد بالله تعالى وكتبه ورسله ، لا المنة ، فإثبات عمومه من تلك الجهة ممنوع جدا .
1 - لاحظ جواهر الكلام 6 : 253 - 266 ، العروة الوثقى 1 : 129 الثالث من المطهرات ، تحرير الوسيلة 1 : 130 .