وذلك يشير إلى الأمور الثلاثة التالية : الأول : أن قسماً من السوق - على الأقل - كان عبارة عن غرف وبيوت ، مبنية معدة للتجارة ، يشير إلى ذلك ما جاء في الحديث الأول : كان علي « عليه السلام » لا يأخذ على بيوت السوق كراءً . كما أن قسماً آخر من السوق كان على شكل رحبة فسيحة ، لا بناء فيها ، يضع الناس فيها سلعهم ، ويبيعونها ، ثم يتركون أمكنتهم إلى اليوم التالي ، فمن سبق إلى موضع منه ، فهو أحق به ، ولا يجوز لأحد مزاحمته إلى الليل . الثاني : وإذا تحقق لدينا : أن قسماً من السوق كان بيوتاً ، لم يكن علي « عليه السلام » يأخذ عليها كراءً ، حسبما نصت عليه الرواية . . فإننا نفهم من ذلك : أن بناء السوق لم يكن ملكاً للناس ، وإنما كانت الدولة تملكه ، وتجعله بتصرف التجار ، إما على وجه التمليك ، حيث يتصدق بها عليهم ، كما يفهم من الرواية المتقدمة ، عن محمد بن عبد الله بن الحسن عن النبي « صلى الله عليه وآله » ، أو تبقى في ملكية الدولة ، وتعطيهم حق الانتفاع بها ، كما يفهم مما عن أمير المؤمنين « عليه السلام » ، وكراهته أخذ الكراء على بيوت السوق . بل إن تصدق النبي « صلى الله عليه وآله » بالأسواق على المسلمين ، قد يكون معناه ، إباحة الانتفاع بها لهم ، لا تمليكهم إياها ، بصورة مطلقة . . وخلاصة الأمر : أن ما تقدم يشير إلى أن المرسوم والمتعارف في ذلك الوقت ، هو : أن الدولة هي التي تقوم ببناء السوق ، ثم تضع ذلك بتصرف التجار . . كما ويظهر مما يأتي : أن بعض الناس كان يبني لنفسه متجراً فيما يملكه ،