فإن قلت : خصوص الفرد المكروه [ من ] العبادة وجوده راجح على عدمه أم لا ؟ ! قلت : قد يكون راجحا وقد لا يكون ، ولا محذور في شئ منهما . . مثلا : في الصلاة في الحمام ، يحوز أن يكون الثواب الذي بإزاء مطلق الصلاة يزيد على الكراهة التي حصلت بسبب الوصف ، وحينئذ يكون وجود الصلاة المخصوصة راجحا على عدمها ، إلا أنه لما لم يكن في غير الحمام تلك الكراهة أيضا وقع النهي التنزيهي عنها . وأما الصوم في الأيام المكروهة أو في السفر مثلا ، فالظاهر أنه ليس براجح ، بل يجوز أن يكون مرجوحا ، إذ الواجب إنما هو رجحان أصل العبادة ، لا خصوص الفرد ، وحينئذ يجوز أن يكون أصل الصوم له فضيلة ، لكن كونه في هذا اليوم كان مرجوحا ، لقبح يقابل تلك الفضيلة أو يساويها ، فتساقطا أو يرجح عليها ، على وجه لا ينتهض سببا للعقاب ، فتدبر . فإن قلت : إذا لم يكن خصوص تلك العبادة راجحة ، فكيف يمكن نية التقرب بها إلى الله تعالى ، لأنها مما لا يعقل بدون رجحانها ؟ ! وإذا لم يكن فعلها بتلك النية فلا تكون عبادة ، إذ لا بد فيها من تلك النية ، بل تكون من قبيل سائر الأشياء المكروهة ، ويكون التقرب بها محرما . قلت : كون نية التقرب لا يستلزم إلا كون مطلق تلك العبادة راجحا ، وإن كان كونها في هذا الوقت موجبا لمرجوحيتها ، مثل الصلاة في المكان المغصوب ، فإنه لو لم تكن باطلة بدليل من خارج لكان الظاهر كونها صحيحة ، ولكان يكفي في نيتها راجحية أصل الصلاة ، وإن كان وقوعها في ذلك المكان موجبا لعقاب ربما كان أزيد من ثواب أصل الصلاة .