ثمّ استدلّ على الوجوب التخييري بالجمع بين هذه الروايات الدالَّة على الوجوب ، وبين خبري الرافعي والبصري [1] وأبي خديجة [2] . وأجاب بعدم دلالتها على وجوب أحدهما مطلقاً حتى يصحّ الجمع بالحمل على الوجوب التخييري ، إذ أقصى ما في صحيح ابن سنان أنّه قال : « يُجزيك التسبيح » فكان التسبيح أحد الفردين المجزيين ، وجاز أنْ يكون الفرد الآخر السكوت ، أو يكون التسبيح أحد الأفراد الواجبة التي منها السكوت ، فلا يتعيّن أنْ يكون الواجب أحد الأمرين : التسبيح ، أو القراءة . بل قد يقال : إنَّه إلى الدلالة على وجوب التسبيح عيناً أقرب . . إلى آخره . وفيه نظرٌ من وجوه : أمّا أوّلًا فلنفيه دلالة تلك الأخبار التي منها صحيح ابن سنان على وجوب التسبيح عيناً ولا تخييراً ، ثمّ جعل دلالته على وجوب التسبيح عيناً أقرب ، وهو كرٌّ على فرّ ، وتناقضٌ مستغرب . وأمّا ثانياً فلاشتمال الخبر المذكور بعد التعبير عن التسبيح بالمجزي على رجحان القراءة ، سواء جعلنا ( اقرأ ) مضارعاً أو أمراً ، وهذا أغرب . وأمّا ثالثاً فلجعله أحد الأفراد الواجبة السكوت ، وهو ممّا لا يحسن عليه السكوت إذ السكوت فردٌ مرجوحٌ نادرُ الاستعمال ، فلا يحمل عليه كلام الآل ، ولا يؤسّس عليه بمجرّد ذلك الاحتمال ، مضافاً لما مرّ من قوّة احتمال قوله عليه السلام : « لا بأس إنْ قرأ وإنْ سكت » [3] إرادته السكوت عن القراءة خاصّة ، فلا ينافي التسبيح واختصاصه . وأمّا رابعاً فلأنَّ كلامه في ردِّ الاستدلال على الوجوب التخييري بعدم دلالة شيءٍ منها على وجوب أحدهما مطلقاً ، إنّما يتمّ لو أراد الاستدلال بخصوص ما ذكره ، فتبقى أدلَّة التخيير للمصلَّي مطلقاً من النصّ والإجماع سالمةً عن النزاع . والإنصاف أنّ للمناقشة فيها أيضاً مجالًا ذا اتّساع . أمّا الأخبار فلقوّة احتمال كون أدلَّة المأموم حاكمةً أو مخصّصة لذلك العموم .