وأنت خبيرٌ بأنّه إنّما يَرِدُ على الأشاعرة [1] وأمثالهم ممَّنْ يقول بزيادة الصفات الذاتيّة على الذات الأحديّة ومغايرتها لها ، دون المذهب الحقّ من عينيّتها لتلك الذات العليّة ، كما هو مذهب الحكماء والمعتزلة والإماميّة [2] ، بمعنى أنَّه يترتّب على تلك الذات ما يترتَّب على ذات وصفه في سائر المخلوقات . ألا ترى أنَّ ذواتنا غير كافية في انكشاف الأشياء لنا ، بل مفتقرة إلى تحصيل صفة العلم الذي يقوم بنا ، فيثبت الجهل في مرتبة ذاتنا ؟ ! ولكنّه تعالى لا يحتاج في ذلك الانكشاف إلى صفة تقوم به ، بل الأشياء بأسرها منكشفة إليه وحاضرة لديه بنفس تلك الذات التي هي جميع الكمالات ، : « فسبحان مَنْ دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته » [3] . فذاته تعالى بهذا الاعتبار حقيقة العلم والاقتدار ، لا بمعنى أنَّ هنا ذاتاً وصفة حقيقيّة ، وهما متّحدان كذلك ، كما يتخيّل في بوادي الأنظار ، وربّما جنح إليه بعضُ الأشرار ، فإنَّ فساده ممّا ليس عليه غبار ، بل كالشمس في رابعة النهار : « لشهادة كلِّ صفةٍ بأَنَّها غيرُ الموصوف ، وشهادةِ كلِّ موصوف بأنّه غيرُ الصفة » [4] كما قاله والد الأئمّة الأطهار . وبسط الكلام في هذا المقام يفضي إلى الإضجار ، وحينئذ فلا يرد النقض المذكور لأنّ الحمد على الصفات الذاتية راجعٌ إلى الآثار المترتّبة على الذات على نفس الذات الأحديّة . فإذا قيل : الحمد لله على علمه وقدرته مثلًا فإنَّما يُراد الثناء على الآثار المترتّبة على الذات والتعلَّقات التي هي أُمور نسبيّة إضافيَّة وأحوال اعتباريّة ، ولا ريب أنَّ تلك الأُمور والآثار اختياريّة لتلك الذات العليّة لكون تلك التعلُّقات حادثة متغيِّرة متغايرة بتغير تلك المتعلِّقات ، فيكون الثناء عليها ثناءً على جميل اختياري إفاضة مالك الخيرات .
[1] شرح المواقف 8 : 44 - 45 . [2] شرح المواقف 8 : 45 . [3] دعاء الصباح المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام ، الصحيفة العلوية : 17 . [4] نهج البلاغة : خطبة ( 1 ) . وفيه : « أنها » بدل « بأنها » و : « أنه » بدل « بأنه » .