ونعوت الجمال ، فوجد من نفسه محرِّكاً للإقبال بالثناء عليه ببعض ما إفاضة من شآبيب الطول والإفضال ، التي منها التوفيق لتأليف هذا المؤلف المفضال ، ثمّ لاحظ غيبة الذات الأحديّة عن إدراك الأبصار ولمس الحواس والتمثال ، وعدم الأهليّة لخطاب تلك الذات التي هي المبدأ الفيّاض لجميع الكمالات ، فقال : ( الله أحمدُ ) منبّهاً بتقديم المحمود وإنْ كان حقّه التأخير بحسب المعموليّة على إرادة الحصر وإفادة الأهمية ، وبيان تقدّمه في الوجود البياني اللفظي ، كتقدّمه في سائر الوجودات من العينيّة والذهنيّة ، وبإيثار الجملة الفعليّة المضارعيّة على إرادة التجدّد والاستمرار وحسن العاقبة لعدم حصول ذلك في الاسميّة والماضويّة . وعلى العجز عن دوام الحمد المنبئ عن الاعتراف بالتقصير كما هو مفاد الاسميّة . وبصيغة التكلَّم على التنصيص على صدور الحمد عن نفسه لا بانضمامه إلى سائر البريَّة . وبصيغة المفرد على هضم نفسه العليّة ، وانفراد المحمود بالنعم التي يجب الحمد عليها ، وعدم المشاركة فيها وفي الوحدة الحقيقيّة لذاته الأحديّة . وإنّما آثر لفظ الجلالة كما آثرها في البسملة دون سائر الصفات إمّا على كونه عَلَماً للذات ، أو لدلالته على جمع جميع الكمالات ، أو لدلالته بالعدد المكتوبي على الأسماء الحسنى التسعة والتسعين لأنّك إذا جمعت طرفيها وهما ستة ، وقسّمتها على حروفها الأربعة المكتوبة ، صار لكلّ حرف منها واحدٌ ونصفٌ ، فإذا ضربت الواحد والنصف في عدد الجلالة بالجمل وهو ستّة وستون ، بلغت تسعة وتسعين ، أو للاستلذاذ والتبرّك في موضعين . وما ذكرنا من تعليل الجمع بين البسملة والحمدلة بما سمعت من الكلام كافٍ في المقام وافٍ بالمرام ، إلَّا إنّه خلاف المتداول على ألسنة العلماء الأعلام لأنّهم إنما يُعلَّلون ذكر الحمدلة بالنبويّ الذي لم يوجد في أُصول الإماميّة الكرام ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : « كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع » [1] .
[1] سنن ابن ماجة 1 : 610 / 1894 ، المعجم الكبير 19 : 72 / 141 .