ويجمعهما التكليف فلو وطئ المجنون فلا حد عليه رجما ولا جلد العدم التكليف الذي هو مناط الحدود على المعاصي . ثم قال : وذهب الشيخان وجماعة إلى وجوب الحد على المجنون وتحقق الاحصان منه فيثبت عليه الرجم معه والجلد دونه استنادا إلى رواية أبان بن تغلب - وعندئذ نقل الرواية - . وأجاب عنها بقوله : وهذا الرواية ظاهرة في كون الفاعل غير مجنون وإن كان صدرها قد تضمن المجنون فيحمل على مجنون يعتوره الجنون إذا زنى بعد تحصينه لتناسب العلة التي ذكرها في الرواية انتهى . وفيه أن هذا الحمل خلاف الظاهر جدا بل خلاف الصريح فإن الرواية صريحة في المجنون حال الزنا وأنه يكفي في صحة الحد مجرد أنه يعقل كيف يأتي اللذة فكيف نقول : إن المراد هو الذي زنى محصنا ثم عرض عليه الجنون [1] . هذا كله مضافا إلى أن نفس هذا الحكم أي إقامة الرجم أو الجلد على من زنى في حال عقله عند جنونه لا يخلو عن كلام وذلك لما هو الحق من عدم صحة عقوبة المجنون مؤاخذته على ما فعله ، وإن كان ما فعله كان في حال الصحة . وحملها بعض آخر على إرادة بعض مراتب الجنون الذي يجتمع مع العقل وبقاء ما يصلح لثبوت التكليف عليه من الشعور . وبعبارة أخرى تحمل الرواية على قليل العقل لا كامل العقل الذي قد عبر به المحقق رحمة الله عليه في بداية البحث فكان بحيث يصح توجه التكليف إليه وإن لم يكمل عقله .
[1] أقول مبنى اشكاله دام ظله على الشهيد الثاني هو ما استظهره من كلامه من أنه يقول بأن الزاني قد زنى ثم عرض عليه الجنون فلذا أورد عليه بأن الرواية تقول : إذا زنى المجنون الخ . ولكن الظاهر أن مراد الشهيد الثاني هو أن المجنون المذكور في الموضوع مجنون أدواري ولا منافاة أصلا بين كون أحد مجنون أدواريا وبين أن يزني في دور إفاقته ومع ذلك يصدق عليه المجنون ويقال : زنى المجنون وعلى ذلك فما ذكره رحمة الله عليه في التوجيه وجيه ولذا قد جمع بذلك الفاضل السيوري رضوان الله عليه فقال في التنقيح الرايع الجلد 4 الصفحة 330 والرواية محمولة على من يفيق تارة ويجن آخر فيكون قد زنا وقت تعلقه ، والتعليل عليه وهو قوله عليه السلام : وإنما يأتي إذا عقل .