الظاهر جدا [1] . نعم قد ينافي التخيير قوله تعالى : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله . . [2] فإن ظاهره وجوب الحكم بما أنزل الله على نبيه الأعظم بنفسه وتعيين ذلك لا بما أنزل الله إلى الأنبياء السابقين . ولا ينافي ذلك ما ذكره بعده بقوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( 2 ) فإن الظاهر أن المراد منه : إن لكل من الأنبياء شريعة ومنهاجا ولم يجعلكم الله أمة واحدة فلهم شريعتهم ولك شريعتك فاعمل بها وليس المراد أنه جعل لكل منهم شريعة ، ولك أن تعمل بشريعة غيرك فإن ذلك ليس من متفاهم الآية الكريمة بل المقصود من الشريعة الآن هو الاسلام ولا غير فهو الذي يجب اتباعه والحكم بمقتضاه ، وعلى الجملة فظاهر هذه الآية الكريمة هو تعيين الحكم بمقتضى ما أنزل الله على رسوله الخاتم وعلى هذا فتنافي الآية السابقة الدالة على التخيير . وعالج بعض العامة هذا التنافي بأن الآية السابقة منسوخة بهذه ( 3 )
[1] أقول : هكذا أجاب دام ظله عن الاشكال ولكن هنا كلام وهو أنه وإن كان ظهور " أو " في التخيير غير قابل للانكار إلا أنه ليست ظاهرة في التخيير بين حكمه صلى الله عليه وآله بنفسه وارجاعه إياهم إلى أهل نحلتهم بل التخيير بين الحكم طبق الاسلام أوردهم وتركهم ولا اشكال فيه وتؤيد ذلك تتمة الآية الكريمة : وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين وعلى الجملة فإني كلما تأملت في الآية لم أر فيها دلالة على ارجاعهم إلى حكامهم وإن كان " أو " فيها للتخيير فضلا عما إذا قيل بأنه ليس للتخيير أصلا بأن يكون للجمع مثلا ، وعلى ذلك فلم يبق إلا الروايات . [2] سورة المائدة الآية 49 . ( 3 ) قال الشيخ قدس سره في التبيان الجلد 3 الصفحة 524 : وفي اختيار الحكام والأئمة الحكم بين أهل الذمة إذا احتكموا إليهم قولان أحدهما قال إبراهيم والشعبي وقتادة وعطاء والزجاج والطبري وهو المروى عن علي عليه السلام والظاهر في رواياتنا أنه حكم ثابت والتخيير حاصل ، وقال الحسن وعكرمة ومجاهد والسدي والحكم وجعفر بن مبشر واختاره الجبائي أنه منسوخ بقوله : وإن احكم بينهم بما أنزل الله ، فنسخ الاختيار وأوجب الحكم بينهم بالقسط وهو العدل انتهى .