بالنسبة إلى ما ذكره من كونه عارفا أو غيره فنقول : وهل تعتبر في هذا الحكم - أي ضرب هذا المقر حتى ينهى - علمه ومعرفته بالحدود المقررة في الشرع أو لا يعتبر ذلك ؟ اعتبر ذلك بعض العلماء [1] ، قال في كشف اللثام ( عند قول العلامة ضرب حتى ينهى عن نفسه ) : وإن لم يبلغ أحدا من الحدود المقدرة لأن نهيه يدل على إرادته التعزير أو يبلغ المأة فإنها اقص الحدود وما يزاد لشرف المكان أو الزمان تعزير زائد على أصل الحد والأصل عدمه . ثم قال : نعم إن علم بالعدد وبالمسألة وطلب الزيادة توجه الضرب إلى أن ينهى انتهى . أقول : والمستند في ذلك أنه إذا كان عارفا بالمسألة وبالحدود والتعزيرات فإنه يعتمد بنهيه ويطمئن إليه فإذا نهى قبل بلوغ أقل الحدود فإنه يعلم أنه أراد من الحد التعزير ، كما أنه إذا نهى عند بلوغ الضربات ثمانين جلدة يعرف أنه كان حده حد شرب الخمر وهكذا ، بخلاف ما إذا لم يكن عالما بالمسائل وعارفا بالحدود المقررة فإنه ربما يضرب فوق المقدار اللازم وهو لعدم كونه عارفا لا ينهى أو أنه لشدة تسليمه قبال حكم الله تعالى وجده البلاغ في تطهير نفسه عن دنس ما أتى به من الذنب قد هيأ نفسه لأن يضرب كملا ويرى أنه كلما زيد في ضربه ازداد مغفرة ورحمة فلا بد من أن يكون عارفا حتى يكون نهيه ناشيا عن علم وبصيرة فيعتمد عليه . ولكن المحقق خالف في ذلك مستدلا بأن اللفظ مطلق فيحمل على العارف وغيره كما عرفت آنفا من كلامه الذي نقلناه من النكت .
[1] قال الشهيد في غاية المراد : وخص هذا الحكم في النكت بالعالم بالحدود - ثم قال : - قلت : وقول الأصحاب ببلوغ المأة فيه نظر إذ لم يعتبروا التعدد هنا وموجب المأة يعتبر فيه التعدد قطعا وكذا في البلوغ إلى الأقل لما ذكر من اعتبار التعدد فإن كان مراد الأصحاب إن ذلك مع الاقرار أربعا فليس ببعيد ما قالوه وإلا فهو مشكل ، ولك أن تقول : إن من أقر مرة لم يتجاوز التعزير وإن ثنى أو ثلث لم يتجاوز الثمانين وإن ربع لم يتجاوز المأة ويحتمله لجواز تغليظ الحد بالزنا في مكان شريف أو زمان شريف ومع التعدد يحتمل حمله على التأسيس فيتعدد الحدود انتهى كلامه .