فإن الباحث التاريخي حين يحصل على مجموعة من الظواهر والأحداث التأريخية ، لا يملك تجاهها تلك الإمكانيات ، التي يملكها الفيزيائي مثلاً ، تجاه الذرة وظواهرها ، ونواتها وكهاربها وإشعاعاتها . لأن الباحث التاريخي ، مضطر لأخذ الظواهر والأحداث التاريخية كما هي ، ولا يمكنه أن يطور أو يغير شيئاً منها ، عن طريق التجربة . وأما العالم الفيزيائي ، فهم يستطيع أن يجري تجاربه المختلفة على المادة التي يعالجها ، ويستعبد منها ما يشاء ، ويضم إليها ما يشاء . وحتى في المجال الذي لا تخضع المادة المدروسة فيه للتغيير ، كعلم الفلك ، يمكن للعالم الفلكي أن يغير من علاقاته بتلك المادة ، بواسطة التلسكوب ، ومن موقعه واتجاهاته . وعجز الباحث التاريخي عن القيام بتجارب على الظواهر التاريخية والاجتماعية يعني عدم تمكنه من تقديم دليل تجريبي على نظرياته التي يفسر بها التاريخ ، ويستكشف أسراره . فلا يستطيع - مثلاً لدى محاولة الكشف عن العامل الأساسي لظاهرة تاريخية معينة - أن يستعمل الأساليب العلمية الأساسية ، التي يقررها المنطق التجريبي ، ويستعملها العلماء الطبيعيون ، كطريقتي : الاتفاق والاختلاف ، الطريقتين الرئيسيتين في الاستدلال التجريبي . لأن هاتين الطريقتين تتوقفان كلاهما ، على إضافة عامل بأسره ، أو حذف عامل بأسره ، لنرى مدى ارتباطه مع عامل آخر . وهذه هي طريقة الاتفاق . ثم يعزل ( ب ) ، هي سبب ( أ ) يجمع بينهما في ظروف مختلفة . وهذه هي طريقة الاتفاق . ثم يعزل ( ب ) ، ليرى هل يزول ( أ ) تبعاً لذلك . وهذه هي طريقة الاختلاف . ومن الواضح أن الباحث التاريخي ، لا يتمكن من تغيير الواقع التاريخي للانسانية ، ولا يقدر على شيء من ذلك . ولنأخذ - مثلاً على ذلك الدولة بوصفها ظاهرة تاريخية ، والحرارة بوصفها ظاهرة طبيعية . فان العامل الطبيعي إذا حاول أن يفسر الحرارة ، تفسيراً علمياً ويستكشف السبب الرئيسي لها ، أمكنه أن يفترض : أن الحرارة هي سبب الحرارة ، إذ أدرك اقترانهما في حالات عديدة . ولكي يتأكد من صحة هذا الافتراض ، يستعمل