لابد من وضع نظام اقتصادي ينسق تلك الحاجات ويحدد ما يجب إشباعه منها . إن الإسلام لا يقر ذلك كله ، وينظر إلى المشكلة من ناحيتها الواقعية القابلة للحل كما نجد ذلك في قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ الْأَنهَارَ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا . إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [1] . فان هذه الآيات بعد أن استعرضت مصادر الثروة التي أنعم الله تعالى بها على الانسان أكدت أنها كافية لإشباع الانسان وتحقيق سؤله { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } فالمشكلة الواقعية لم تنشأ عن بخل الطبيعة ، أو عجزها عن تلبية حاجات الانسان . وإنما نشأت من الانسان نفسه كما تقرره الآية الأخيرة ( إن الانسان لظلوم كفار ) . فظلم الانسان في توزيع الثروة وكفرانه للنعمة بعدم استغلال جميع المصادر التي تفضل الله بها عليه استغلالاً تاماً هما السببان المزدوجان للمشكلة التي يعيشها الانسان البائس منذ أبعد عصور التاريخ [2] . وبمجرد تفسير المشكلة على أساس انساني يصبح بالامكان التغلب عليها ، والقضاء على الظلم وكفران النعمة بإيجاد علاقات توزيع عادلة ، وتعبئة كل القوة المادية لاستثمار الطبيعة ، واستكشاف كل كنوزها [3] .
[1] إبراهيم / 32 - 34 . [2] لاحظ الوسائل ج 6 ، ص 4 وج 11 ، ص 249 و 539 . [3] راجع ص 314 من الكتاب .