ومعطاه التصوري للنظرية عن المعطى الفكري للنصوص التشريعية نفسها . ومرد هذا الاختلاف إلى خداع التطبيق لحواس الممارس الاكتشافية ، نتيجة لارتباط التطبيق بظروف موضوعية خاصة . ويكفي مثالاً على هذا الخداع : أن المماس الذي يريد أن يتعرف على طبيعة الاقتصاد الإسلامي من خلال التطبيق ، قد يوحي اليه التطبيق بأن الاقتصاد الإسلام رأسمالي ، يؤمن بالحرية الاقتصادية ، ويفسح المجال أمام الملكية الخاصة والنشاط الفردي الحر ، كما ذهب إلى ذلك - بكل صراحة - بعض المفكرين المسلمين ، حين تراءى لهم أفراد المجتمع الذي عاشوا تجربة الاقتصاد الإسلامي وهم أحرار في تصرفاتهم ، لا يحسون بضغط أو تحديد ، ويتمتعون بحق ملكية أي ثروة يتاح لهم الاستيلاء عليها من ثروات الطبيعة ، وبحق استثمارها والتصرف فيها ، وليست الرأسمالية إلا هذا الانطلاق الحر ، الذي كان أفراد المجتمع الإسلامي يمارسونه في حياتهم الاقتصادية . ويضيف البعض إلى ذلك : أن تطعيم الاقتصاد الإسلامي بعناصر لا رأسمالية والقول : بأن الإسلام اشتراكي في اقتصاده ، أو يحمل بذوراً اشتراكية . . ليس عملاً أميناً من الممارس ، وإنما هو مواكبة للفكر الجديد الذي بدأ يسخط على الرأسمالية ويرفضها ، ويدعو إلى تطوير الإسلام بالشكل الذي يمكن أن يستساغ في مقاييس هذا الفكر الجديد . وأنا لا أنكر أن الفرد في مجتمع عصر النبوة كان يمارس نشاطاً حراً ، ويملك حريته في المجال الاقتصادي إلى مدى مهم ، ولا أنكر أن هذا قد يعكس وجهاً رأسمالياً للاقتصاد الإسلامي . . . ولكن هذا الوجه الذي نحسه خلال النظر من بعد إلى بعض جوانب التطبيق قد لا نحسه مطلقاً خلال دراسة النظريات على الصعيد النظري . صحيح أن الفرد الذي كان يعيش عصر النبوة يبدو لنا الآن أنه كان يتمتع بنصيب كبير من الحرية ، التي قد لا يميز الممارس أحياناً بينها وبين الحريات