وهذا الفصل الحاسم بين البحث المذهبي والبحث العلمي لا يمنع عن اتخاذ المذهب إطاراً للبحث العلمي في بعض الأحيان ، كما في قوانين العرض والطلب ، أو قانون الأجور الحديدي للعمال ، فإن أمثال هذه القوانين إنما تصدق علمياً وتنطبق على الواقع الذي تفسره . . في مجتمع رأسمالي يطبق الرأسمالية المذهبية ، فهي قوانين علمية ضمن إطار مذهبي معين ، وليست علمية ولا صحيحة ضمن إطار آخر ، كما أوضحنا ذلك بكل تفصيل في بحث سابق من هذا الكتاب [1] . وبمجرد أن نضع هذا الفصل الحاسم بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد ، نعرف أن القول بوجود مذهب اقتصادي في الإسلام لا يعني أن الإسلام يبحث في قوانين العرض والطلب ، ويحدد مدى تأثير زيادتهما أو انكماشهما على الثمن في السوق الحرة ، وإنما يبحث بدلاً عن ذلك في توفير الحرية للسوق ، فيدعو إلى توفيرها له وصيانتها ، أو إلى الإشراف على السوق والتحديد من حريته ، تبعاً للصورة التي يتبناها للعدالة . وكذلك لا يبحث الإسلام في العلاقة وردود الفعل بين الفائدة والربح ، أو بين حركة رأس المال الربوي والتجارة ، ولا في العوامل التي تؤدي إلى زيادة الفائدة أو انخفاضها ، وإنما يقوّم نفس الفائدة والربح ، ويصدر حكمه على الاستثمار الربوي والتجاري ، بما يتفق مع مفاهيمه عن العدالة . ولا يبحث الإسلام أيضاً في ظاهرة تناقض إنتاج الغلة وأسبابها ، وإنما يبحث عما إذا كان من الجائز ومن العدل أن يوضح الإنتاج تحت إشراف هيئة مركزية عليا . نعرف من ذلك كله : أن وظيفة المذهب الاقتصادي هي وضع حلول لمشاكل الحياة الاقتصادية ، ترتبط بفكرته ومثله في العدالة . وإذا أضفنا إلى هذا الحقيقة : أن تعبيري ( الحلال ، والحرام ) في الإسلام تجسيدان للقيم والمثل التي يؤمن بها الإسلام ، فمن الطبيعي أن ننتهي من ذلك إلى اليقين بوجود اقتصاد مذهبي إسلامي ، لأن قصة
[1] القوانين العلمية في الاقتصاد الرأسمالي ذات إطار مذهبي ص 251 - 256 من الكتاب .