وموقفنا تجاه هذا يتلخص في كلمات ، فنحن لا ننكر بالمرة الصلة بين الفكر والشروط المادية والاقتصادية ، التي يعيشها المفكرون ، كما أننا لا ننكر ما للفكر من نظام وقوانين ، لأنه بوصفه ظاهرة من ظواهر الكون ، فلكل عملية إيديولوجية أسبابها وشروطها ، التي ترتبط بها كما ترتبط كل ظاهرة بأسبابها وشروطها . ولكن الأمر الذي نختلف فيه مع الماركسية ، هو تحديد هذه الأسباب والشروط . فالماركسية ترى أن السبب الحقيقي ، لكل عملية إيديولوجية ، إنما يكمن في الشروط الاقتصادية والمادية ، فلا يمكن - في رأيها - أن نفسر الفكرة ، في ضوء علاقاته بالأفكار الأخرى تفسيرها - فقط - عن طريق العامل الاقتصادي . فليس للفكر تاريخ مستقل أو تطور خاص به ، وإنما هو تاريخ للإنعكاسات الحتمية ، التي تثيرها في العقل الإنساني ظروف المجتمع الاقتصادية والمادية والطريقة العلمية التي يمكن ان نختبر بها هذه الحتمية ، ان نقارب بين النظرية ومجرى الأحداث ففي مجرى الحياة العقلية والاجتماعية للانسان . وللماركسية نصوص عديدة في شرح هذه النظرية ، وتطبيقها على الحقل الفلسفي ، فهي تارة تفسر الفلسفة بحالة القوى المنتجة ، وأخرى تفسرها بمستوى العلوم الطبيعية ، وثالثة تعتبرها ظاهرة طبقية ، تحددها ظروف التركيب الطبقي في المجتمع ، كما سنرى في النصوص الآتية ! قال الفيلسوف الشيوعي البريطاني ( موريس كونفورث ) : ( ( شيء آخر تجدر بنا ملاحظته ، ذلك هو تأثير المخترعات التكنيكية والاكتشافات العلمية ، على ظهور الأفكار الفلسفية ) ) ( 1 ) . ويريد بهذا ، أن يربط بين التفكير الفلسفي ، وتطور وسائل الإنتاج ويوضح هذه الرابطة في مجال آخر بتقديم نموذج لها من مفهوم التطور ، الذي ساد العقلية الفلسفية ، بسبب التطور الثوري في قوى الإنتاج ، فهو يقول : ( 1 ) ( المادية الديالكتيكية ) ص 40 .