وهناك تفسير ثالث بالعامل الواحد ، نادى به بعض علماء النفس قائلاً : إن الغريزة الجنسية ، هي السر الحقيقي الكامن وراء مختلف النشاطات الإنسانية ، التي يتألف منها التاريخ والمجتمع فليس حياة الإنسان إلا سلسلة من الاندفاعات الشعورية ، أو اللا شعورية عن تلك الغريزة . وآخر هذه المحاولات ، التي جنحت إلى تفسير التأريخ والإنسان بعامل واحد ، هي المادية التأريخية التي بشر بها كارل ماركس ، مؤكداً فيها : ان العامل الاقتصادي ، هو العامل الرئيسي ، والرائد الأول للمجتمع في نشوئه وتطوره والطاقة الحلاقة لكل محتوياته الفكرية والمادية ، وليس شتى العوامل الأخرى ، إلا بنيات فوقية في الهيكل الاجتماعي للتأريخ ، فهي تتكيف وفقاً للعامل الرئيسي ، وتتغير بموجب قوته الدافعة ، التي يسير في ركبها التأريخ والمجتمع . وكل هذه المحاولات لا تتفق مع الواقع ولا يقرّها الإسلام ، لأن كل واحد منها قد حاول أن يستوعب بعامل واحد ، تفسير الحياة الإنسانية كلها ، وأن يهب هذا العامل من أدوار التأريخ وفضول المجتمع ، ما ليس جديراً به لدى الحساب الشامل الدقيق . والهدف الأساسي من بحثنا هذا ، هو : دراسة المادية التأريخية من تلك المحاولات وإنما استعرضناها جميعاً لأنها تشترك في التعبير عن اتجاه فكري في تفسير الإنسان المجتمعي بعامل واحد . العامل الاقتصادي أو المادية التاريخية ولنكون الآن فكرة عامة عن المفهوم الماركسي للتأريخ ، الذي يتبنى العامل الاقتصادي ، بصفته المحرك الحقيقي لموكب البشرية في كل الميادين . فالماركسية تعتقد أن الوضع الاقتصادي لكل مجتمع ، هو الذي يحدد أوضاعه الاجتماعية ، والسياسية ، والدينية ، والفكرية ، وما إليها من ظواهر الوجود الاجتماعي .