وأما لماذا تركت في المذهب الاقتصادي الإسلامي منطقة فراغ ، لم تملأ من قبل الشريعة ابتداءً بأحكام ثابتة ؟ ، وما هي الفكرة التي تبرر وجود هذه المنطقة في المذهب ، وترك أمر ملئها إلى الحاكم ؟ ، وبالتالي ما هي حدود منطقة الفراغ على ضوء الأدلة في الفقه الإسلامي ؟ كل ذلك سوف نجيب عليه في البحوث المقبلة [1] إن شاء الله تعالى . عملية الاجتهاد والذاتية : عرفنا حتى الآن : أن الذخيرة التي نملكها في عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي في الإسلام هي الاحكام والمفاهيم . وقد آن لنا أن نقول كلمة عن الطريقة التي نحصل بها على تلك الأحكام والمفاهيم ، وما يحف هذه الطرقة من مخاطر ، لأننا إذا كنا سوف نكشف المذهب الاقتصادي عن طريق الأحكام والمفاهيم . فمن الطبيعي أن نتساءل : كيف سوف نصل إلى هذه الأحكام . والمفاهيم نفسها ؟ . والجواب على هذا السؤال هو : أننا نلتقي بتلك الأحكام والمفاهيم وجهاً لوجه وبصورة مباشرة في النصوص الإسلامية ، التي تشتمل على التشريع أو على وجهة نظر إسلامية معينة . فليس علينا إلا أن نستحضر نصوص القرآن الكريم والسنة بهذا الصدد ، لنجمع العدد الكافي من الأحكام والمفاهيم ، التي نصل بها في نهاية الشوط إلى النظريات المذهبية العامة . ولكن المسألة بالرغم من ذلك ليست مجرد تجمع نصوص فحسب ، لأن النصوص لا تبرز - في الغالب - مضمونها التشريعي أو المفهومي - الحكم أو المفهوم - إبرازاً صريحاً محدداً ، لا يقبل الشكل في أي جهة من جهاته ، بل كثيراً ما ينطمس المضمون أو تبدو المضامين مختلفة وغير متسقة ، وفي هذه الحالات يصبح فهم النص واكتشاف المضمون المحدد ، من مجموع النصوص التي تعالج ذلك المضمون