تشريع الحرمة في الرضاع : وقد تضمن هذا التشريع سرا من اسرار التكوين ، من اتساع دائرة المحارم بالرضاع ، وتضييق حدودها من حيث حرمة النكاح في الموقت والدائم . ولعلّ تأثير اللبن الواحد في تكوين الإنسان ، وتكييف بنيته الروحيّة والجسميّة هو الذي ادّى الى الحاقة بالمحارم الَّذين يختلفون عن غيرهم في الخصائص الجنسيّة والعاطفيّة فيما بينهم . فكان دور التشريع في هذا الأمر دور الكشف عن الواقع المجهول عند البشريّة ، ودور خروجها عن حد البهائم ، وحياة الحيوانات الضارية . ثم انّه لا بد من ان يكون في هذا التحريم مفسدة ملزمة ، تلحق بالاسرة البشريّة ، وهي تريد التناكح والتناسل والمصاهرة فيما بينها ، بعيدة عن التلوثات والاوضار المادية ، والمفاسد الأخلاقيّة ، الأمر الذي لا يمكن استكناهه ، وكشف إسراره وكوامنه الا بالتشريعات الإلهيّة ، الَّتي تزامل المصالح الإنسانيّة العليا ، وفق اسرار الخليقة المنسجمة معها ، فيما ينبغي ان يتخالط النّاس أو لا يتخالطوا . ونظير هذا التشريع القرآني : هو النّهي عن نكاح ما نكح الآباء ، والجمع بين الأختين * ( ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) * [1] * ( وأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) * [2] تجويزا لما مضى ، وتحريما لما يأتي . والرخصة في الإبقاء على ما مضى من هذا النكاح المحظور بعد نزول