نام کتاب : رسائل الشريف المرتضى نویسنده : الشريف المرتضى جلد : 1 صفحه : 138
فأما معنى إضافة الصادق عليه السلام في الخبر المروي من [1] أفعال العباد إلى أنها مخلوقة لله تعالى خلق تقدير ، فجار على ما قدمنا بيانه من أنه تعالى لما كان مبينا لها مفصلا لحسنها من قبحها مميزا خيرها من شرها ، كان بذلك مقدرا لها ، وإذا كان مقدرا جاز أن يقال : إنه خالق لها ، كما قالوا في مقدر الأديم ومربيه ، ومبين ما يجئ منه من مراده وغيرها أنه خالق . وقد صرح في الخبر بالمعنى الذي أشرنا إليه ، وأعرب عنه أحسن اعراب ، لقوله ( خلق تقدير لا خلق تكوين ) . فأما قوله عليه السلام في الخبر ( أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض ) عن [2] حسن التخلص والتمييز للحق من الباطل ، لأن العباد غير مجبرين على أفعالهم عند من أمعن النظر ، بل هم مختارون لها وموقعون لجميعها بحسب إيثارهم ودواعيهم . وقد لوحنا في صدر هذه المسألة بالدلالة على ذلك ، غير أنهم وإن كانوا غير مجبرين ، فالأمر في أفعالهم غير مفوض إليهم من وجهين : أحدهما : أن الله تعالى لو لم يقدرهم ويمكنهم بالآلات وغيرها ، لما تمكنوا من تلك الأفعال ، فأشفق عليه السلام من أن يقتصر على نفي الاجبار عنهم ، فيظن أنهم مستقلون بنفوسهم ، وأنهم غير محتاجين إلى الله تعالى في تلك الأفعال فنفى التفويض ، ليعلم أن الأمر في تمكنهم واقدارهم ليس إليهم . والوجه الآخر : أن يكون المراد بنفي التفويض أن الأمر في تمييز هذه الأفعال وترتيبها ، وتبين حسنها من قبحها ، وواجبها من ندبها ، ليس مفوضا إليهم بل هو مما يختص الله عز وجل بالدلالة عليه والارشاد .