حال إلى حال ، مقهور لمن هو محول الأحوال . فلا ينفك العقل والعلم عن الإيمان ، وبكمال العقل يصل الانسان إلى مقام يكون جوهر نفسه منزها عن كدورة الكفر والشر ، ومنورا بنور الرشد والخير ، و { البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه } [1] . العاقل ينفق فضل ماله ، فبفضل ماله يسد لأرباب الحاجة ضرورات حياتهم ، فيكون إنفاقه سببا لطهارة نفسه من البخل ، وصيانة للمجتمع من الطغيان . ويمسك فضل كلامه ، وبهذا الإمساك يحفظ قوة جسمه وروحه ، ويتنزه عن اللغو والباطل ، وبما أن الحكمة التي هي كمال العقل تقتضي إعطاء كل ذي حق حقه ، فحاجة الجسم المخلوق للفناء محدودة بالقوت والزائد عليه ليس له ، وإنما هو لغيره فنصيبه من الدنيا القوت ، وحاجة الروح المخلوق للبقاء إلى العلم الذي لا حد له ، فلا يمل من طلب العلم طول دهره . [2] وعندما يرى العاقل أن غير الله ذليل لله { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا } [3] و { إن العزة لله جميعا } [4] يكون الذل مع الله أحب إليه من العز مع غيره . وعندما يرى أن ما به من نعمة فمن الله ، وأن الذي منه ليس إلا القصور أو التقصير ، فيكون التواضع أحب إليه من الشرف . وعندما يصل إليه المعروف من غيره يرى عدم استحقاقه لذلك ، لهوان نفسه عليه ، فيكون القليل عنده كثيرا .
[1] سورة الأعراف : 58 . [2] إشارة إلى ما في تحف العقول ص 443 ، من قصار هذه المعاني عن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) . [3] سورة مريم : 93 . [4] سورة يونس : 65 .