وأما معاملته لعدوه ، فقد قال لأخيه الحسين ( عليه السلام ) عند وفاته : وإني لعارف من أين دهيت ، فأنا أخاصمه إلى الله تعالى ، فبحقي عليك لا تكلمت في ذلك بشئ [1] . فهو الذي تخلق بأخلاق الله ، وتجلت فيه أسماء الله ، بغفرانه الذنوب ، وستره العيوب ، وظهور الرحمة العامة والخاصة من حضرته . وقد أمره أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوما أن يخطب ، قام فقال : " الحمد لله الواحد بغير تشبيه ، الدائم بغير تكوين ، القائم بغير كلفة ، الخالق بغير منصبة ، الموصوف بغير غاية ، المعروف بغير محدودية ، العزيز لم يزل قديما في القدم ، ردعت القلوب لهيبته ، وذهلت العقول لعزته ، وخضعت الرقاب لقدرته ، فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته ، ولا يبلغ الناس كنه جلاله ، ولا يفصح الواصفون منهم لكنه عظمته ، ولا تبلغه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكر بتدبير أمورها ، أعلم خلقه به الذي بالحد لا يصفه ، يدرك الأبصار ، ولا تدركه الأبصار ، وهو اللطيف الخبير . أما بعد ، فإن عليا باب من دخله كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم " . فقام علي بن أبي طالب وقبل بين عينيه ، ثم قال : " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " [2] . فقد جمع ( عليه السلام ) في هذه الخطبة القصيرة جميع ما يتعلق بالمعارف الإلهية ، مما يتعلق بذاته تعالى وصفاته وأفعاله . وقد اشتمل قوله ( عليه السلام ) : " الحمد لله الواحد بغير تشبيه " في بدء خطبته على الإثبات والنفي ، أي حقيقة التوحيد ، وإخراج العقول عن حد التعطيل والتشبيه .
[1] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 42 ، إعلام الورى ج 1 ص 414 ، كشف الغمة ج 2 ص 208 ، الإرشاد ج 2 ص 17 . [2] تفسير فرات الكوفي ص 80 ذيل آية 34 سورة آل عمران ، الدروع الواقية ص 188 ، ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) لابن عساكر ص 145 .