فمعطي الوجود له ، إما هو نفسه ، أو مثله من سائر الموجودات ، أما نفسه فالمفروض أنه فاقد للوجود ، فكيف يكون معطيا لما يفقده ، وأما مثله فكذلك ، لا يمكنه أن يعطي الوجود لنفسه ، فكيف يعطيه لغيره ، وهذا الحكم الجاري على كل جزء من أجزاء العالم ، يجري على كل العالم أيضا . وكما أن ضياء الفضاء الذي ليس له نور في ذاته دليل على وجود مبدأ لذلك الضياء يكون الضوء ذاتيا له ، وإلا لما أضاء ذلك الفضاء ، لأن ما كان مظلما في ذاته يستحيل أن يضئ نفسه ، فضلا عن غيره . ومن هنا كان وجود الكائنات وكمالات الوجود - كالحياة والعلم والقدرة - دليلا على وجود مبدأ يكون وجوده وحياته وعلمه وقدرته ذاتيا له غير مستند إلى غيره { أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون } [1] . عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) أنه دخل عليه رجل فقال له : يا ابن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم ؟ فقال : " أنت لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك لم تكون نفسك ، ولا كونك من هو مثلك " [2] . وسأل أبو شاكر الديصاني الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ما الدليل على أن لك صانعا ؟ فقال : " وجدت نفسي لا تخلو من إحدى الجهتين ، إما أن أكون صنعتها وكانت موجودة ، أو صنعتها وكانت معدومة ، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها ، وإن كانت معدومة فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئا ، فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعا وهو الله رب العالمين " [3] . إن الشئ الذي لم يكن ثم كان ، إما أن يكون قد أوجد نفسه ، أو أوجده غيره ،
[1] سورة الطور : 35 . [2] التوحيد للصدوق ص 293 باب إثبات حدوث العالم ، ح 3 . [3] التوحيد للصدوق ص 290 باب أنه عز وجل لا يعرف إلا به ح 10 .