أناس ليس لهم معرفة بأحوال تلك الأجهزة ودقائق صنعها وظرافة تشغيلها . فهل أن الدقة والظرافة للمعارف والسنن والأحكام الإلهية لجميع مجالات الحياة ، التي هي أجهزة مصنع دين الله أقل من أجهزة ذلك المصنع ؟ ! وهل أن إنتاجها الذي هو أغلى جواهر الوجود وهو كمال الانسانية بمعرفة الله تعالى وعبادته ، وتعديل شهوة الانسان إلى العفة ، وغضبه إلى الشجاعة ، وفكره إلى الحكمة ، وإقامة المدينة الفاضلة على أسس العدل والقسط ، أقل قدرا من إنتاج مصنع الجواهر ؟ ! إن الكتاب الذي بعث الله به رسوله ووصفه بأنه { ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شئ وهدى ورحمة } [1] ، وقال عنه : { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } [2] ، وقال عنه : { وما أنزلنا عليك الكتب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } [3] وضمنه كل ما يحل اختلاف الناس على اختلاف مراتبهم ويميز لهم الحق والباطل ، يحتاج إلى مبين يستخرج منه ما هو تبيان له ، ولابد أن يكون محيطا بالظلمات الفكرية والأخلاقية والعملية ، وما يقابلها من النور ، حتى يخرجهم من تلك الظلمات ، ويهديهم إلى ذلك النور ، ويبين لهم الحق والباطل فيما اختلفوا فيه ؟ ! ولا مناص من أن يكون عالما بالحق والباطل في كل ما اختلف فيه الناس ، لكي يبين لهم الذي اختلفوا فيه ، من أعمق المسائل الأصولية في المبدأ والمعاد - التي ما زالت تشغل أفكار نوابغ العلماء في حلها - إلى كل ما يبتلى به في المسائل الفرعية كتنازع المرأتين في رضيع تدعي كل واحدة منهما أنها أمه .
[1] سورة النحل : 89 . [2] سورة إبراهيم : 1 . [3] سورة النحل : 64 .