{ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } [1] ، { يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } [2] ( 2 ) إن الله تعالى حكيم ، ولا يصدر عنه سفه وعبث ، وهو لم يقتصر في خلق الانسان على تجهيزه بالقوى الضرورية لحياته النباتية والحيوانية ، كقوة الجذب والدفع ، والشهوة والغضب ، بل جهزه بقوى أخرى تقوده إلى التكامل والتحلي بالفضائل العلمية والعملية ، وترتفع به إلى مستويات عليا ، لا يقف فيها عند حد ، بل كلما ترقى في هذا السبيل يتعطش لما هو أعلى ، وقد بعث الله الأنبياء ( عليهم السلام ) لهداية الانسان إلى الكمال الذي يكون مفطورا على طلبه ومجبولا على أن لا يقف على حد حتى ينتهي إلى ما قال سبحانه { وأن إلى ربك المنتهى } ( 3 ) . فلو كان الانسان مخلوقا للحياة الحيوانية فقط لكان إعطاؤه العقل الذي لا يقتنع إلا بإدراك أسرار الوجود لغوا ، وخلقه على الفطرة التي لا تطمئن دون أية مرتبة من الكمال حتى يصل إلى مبدأ الكمال الذي ليس له حد عبثا . فالحكمة الإلهية توجب أن لا تختم حياة الانسان بالحياة المادية والحيوانية ، بل تتواصل لتحقيق الهدف الذي خلقت قوى عقله وروحه من أجله { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } ( 4 ) .
[1] سورة ص : 28 . [2] سورة الزلزلة : 6 و 7 و 8 . ( 3 ) سورة النجم : 42 . ( 4 ) سورة المؤمنون : 115 .