السهام والأحجار من حراس الحصن ، حتى وصل إلى باب الحصن فدحاه ، وبرز إليه مرحب فقده شطرين ، وقتل بعده سبعين من فرسانهم ، وكبر معلنا الفتح ، فالتحق به المسلمون ، وذهل المسلمون واليهود من فعله [1] ! ذلك البطل الذي ترتعد من هيبته فرائص الأبطال ، كان يجمع إلى تلك الشجاعة الخوف والخشية لله تعالى ، فكان إذا تهيأ للصلاة تغير لونه ، وارتعد بدنه ، فيسألونه عن ذلك فيقول : " جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان . . . " [2] . إن ذلك البطل الذي كان تقشعر جلود الفرسان من سطوته في ميادين الحرب كان إذا جن عليه الليل يتململ تململ السليم ويقول باكيا : " يا دنيا ، يا دنيا إليك عني ، أبي تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ لا حان حينك هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيها . . . آه ! من قلة الزاد ، وطول الطريق وبعد السفر " [3] . وسأله أعرابي شيئا فأمر له بألف ، فقال الوكيل : من ذهب أو فضة ؟ فقال : " كلاهما عندي حجران ، فأعط الأعرابي أنفعهما له " [4] . وفي أي الأمم والشعوب رأيت شجاعة اقترنت بالكرم في ساحة الحرب ، حيث قال له مشرك : يا ابن أبي طالب هبني سيفك ، فرماه إليه ! فقال المشرك : عجبا يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إلي سيفك ؟ !
[1] مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 293 وص 294 فصل في نواقض العادات منه ( عليه السلام ) ، وص 298 فصل في معجزاته ، وبتفاوت في الإصابة ج 4 ص 466 . [2] مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 124 فصل في المسابقة بصالح الاعمال . [3] نهج البلاغة ، باب المختار من حكمه ( عليه السلام ) ، رقم 77 ، خصائص الأئمة ص 71 ، روضة الواعظين ص 441 ، نظم درر السمطين ص 135 ، حلية الأولياء ج 1 ص 85 ، سبل الهدى والرشاد ج 11 ص 300 ، ينابيع المودة ج 1 ص 438 ومصادر أخرى للخاصة والعامة . [4] مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 118 فصل في المسابقة في الهيبة والهمة .