القرآن ، كالنسبة بين الزهور الصناعية والطبيعية ، أو بين التمثال الحجري والإنسان الحقيقي ! عدم الاختلاف في القرآن لا شك أن أعمال الانسان وأقواله في مراحل عمره ليست على مستوى واحد ، لأن فكره وعلمه يتكامل ، وكل عالم تختلف آثاره العلمية في مراحل حياته ، مهما كان متخصصا في علم من العلوم ، وكانت وسائل تمركز أفكاره متوفرة عنده ، لأن تحول الفكر يستتبعه تحول آثاره . والقرآن الكريم كتاب يشتمل على علوم متعددة ، من معرفة المبدأ والمعاد وآيات الآفاق والأنفس ، وعلاقة الانسان بالخالق ، وتكاليفه الفردية والاجتماعية ، وقصص الأمم الماضية ، وأحوال الأنبياء ( عليهم السلام ) . وقد تلاه على الناس رجل أمي لم يدرس عند أستاذ ، خلال ثلاث وعشرين سنة تقريبا ، وكان يعيش في ظروف صعبة اجتمعت فيها جميع عوامل تشتت الذهن ، من أذى المشركين في مكة ، ثم الحروب المتواصلة معهم ، والابتلاء بكيد المنافقين ومكرهم . - معجزة التربية العملية بالقرآن . . . وإذا أخذنا في الاعتبار طول هذه المدة وكثرة تلك العوامل ، لعلمنا أنه لو كان مثل هذا الكتاب منقطعا عن الرحمن الذي علم القرآن لكان مشتملا على اختلافات كثيرة ، ولكنا لا نجد في القرآن أدنى تفاوت أو اختلاف ! وهذا يدل دلالة قطعية على أنه نزل من أفق أعلى من فكر الانسان وحالاته المتفاوتة ، وأنه مقام الوحي المقدس عن الجهل والغفلة ، { أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا } [1] .