وأما سد باب احتمال الكذب والخيانة فيمكن بالاعتماد على خبر العدل الثقة . والذي يدعي رؤية الهلال يرد في حقه هذان الاحتمالان . فإن المستهل إذا لم يكن من أهل الخبرة لم يتيسر له عادة بدون تشخيص الجهة التي يحتمل رؤية الهلال فيها [1] . وربما غلب عليه تصور وخيال خاص فيرى ما ليس بهلال هلالا ، وإن كان رجلا ظاهره الصلاح والتقوى . وأما احتمال الكذب فلا يدفعه إلا ثبوت كون مدعي الرؤية عادلا متورعا . فإن ما نحن فيه من مظان التهمة . فكم كان وما يزال رجال من العامة - بل حتى من الخاصة - يدعون الرؤية والهلال لما يتولد بعد . ولكن مع ذلك لا يمكن الاعتماد على شهادة المخبر الواحد فيما نحن فيه حتى ولو كان المخبر عادلا خبيرا ، وإن كان جريان السيرة العقلائية في أمور المعاش على ذلك . وعلى هذا الأساس كانت الأمارة الثانية تدور مدار البينة بقسميها الداخلية والخارجية وإن
[1] للخبرة دور لا ينكر في أمر الهلال لتحصيل العلم أو الاطمئنان ، لكن في جعلها قيدا تأمل . فإن اهتمام الروايات إنما انصب على نفي الشك عن الرؤية وهذا أعم من كون مدعي الرؤية خبيرا أو لا . وشاهده أنه قد يكون الشاهدان عدلين من أهل الخبرة وترد دعواهما فيما إذا كان الجو صحوا لقوة احتمال اشتباههما . وكذا لو شهد عدول على الرؤية يؤخذ بشهادتهم ولو لم يكونوا من أهل الخبرة .