حوارية الحج بوله عاشق قديم لم يندمل بعد جرح عشقه ، وبحرقة مولع متيم عاد لتوه من نعمى لقاء باذخ ، راح أبي يقص علي ذكريات حجته الأولى ، وفي عينيه فتور مستثار ، وعلى لسانه خدر ناعم ، وفوق فمه ابتسامة مشربة بحب تحاول أن تفصح عن نفسها ، فيمنعها - كما يبدو - حياء مهيب ووقار وجلال بهي . قلت لأبي - وقد استثارتني حالته تلك - : أراك تتحدث عن حجتك الأولى كما يتحدث مغرم عن سعادة وصاله الأول . قال - وقد تهدج صوته وتكسر وهو يخاطبني - : وأنا أستعيد معك الآن شريط ذكريات ذلك الشوط الممتع ، استرجع بشوق رافق دف ء وعذوبة ونشوة ، ذلك الهوى الممض المبرح المغروس في القلب . . ألم تقرأ قوله تعالى : " وإذا جعلنا البيت مثابة الناس وأمنا " ، وقوله تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم " . وها هو ذا فؤادي يهفو ثانية الآن كما هفا أول مرة لذلك البيت الطاهر في الوادي المقفر ، المسكون بجلال الوحي ، الخصيب بالنور