ومن بصره أي نقص ، ومنه حديث عمرو بن العاص لما مات عبد الرحمن بن عوف هنيئا لك خرجت من الدنيا ببطنتك لم تتغضض منها بشئ ومنه قوله تعالى " واغضض من صوتك " [1] ، أي أنقص من جهارته . مع أنه لو سلم كون المراد به في الآية الشريفة ترك النظر ، حيث إن في كلمة ، من ، وجوها ، كونه لابتداء الغاية ، وكونها مزيدة ، وكونها للتبعيض والأظهر سيما بملاحظة أنه لا يجب الغض من كل شئ ، والالتزام بالتخصيص يوجب تخصيص الأكثر ، هو الأخير ، وعليه ، فلا بد من التقدير لأنهم قالوا إن من التبعيضية تعرف بأن يكون هناك شئ هو بعض المجرور بمن ، إما ظاهرا كما في قوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة " [2] أو مقدرا ، مثل ، أخذت من الدراهم أي شيئا . والتقدير في الآية يغضوا من أبصارهم شيئا ، وبما أن التبعيض بلحاظ البصر لا معنى له فلا بد وأن يكون باعتبار المبصرات . فالمتحصل من الآية لزوم غض البصر عما يحرم ، أو عن بعض المواضع . ولعله لذلك فسر الآية الشريفة في مجمع البيان ، بلزوم الغض عما لا يحل لهم النظر إليه ، ونسب ذلك إلى الزمخشري أيضا . فإن قيل : إن لازم ذلك اجمال الآية وعدم استفادة شئ منها . أجبنا عنه : بأن المتيقن بل الظاهر منها بقرينة ما قبلها من الآيات وما في ذيلها هو النظر إلى الأجنبية نفسها أو العورة منها ، ومن المماثل . وقد يستدل له بالعلم بعدم الفرق بين النظر إلى المرأة ، وصورتها لأنها هي بعينها ، فالنظر إليهما سيان بحسب الارتكاز . وهذا الوجه ليس بعيدا ، سيما فيمن تعرف من الأجنبيات . ولو لم يتم ذلك أيضا يتعين الرجوع إلى أصالة البراءة المقتضية لجواز النظر مطلقا .
[1] سورة لقمان - آية 19 . [2] سورة التوبة - آية 103 .