لا يقال إن الله تبارك وتعالى في الآية الشريفة " إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " [1] ، وصف يحيى بكونه حصورا وهذا يؤذن برجحان هذا الوصف في نفسه . فإنه : يمكن الجواب عنه بوجوه : 1 - إن المخاطب في الآية هو زكريا في مقام البشارة بالولد وهذا يقتضي حسنه عنده لا عندنا ولقد نسخ ذلك بالآية المتقدمة . 2 - إنه كان مكلفا بارشاد أهل زمانه في بلادهم المقتضى لمفارقة الزوجة والسياحة المنافيتين لرجحان التزويج فلذلك مدحه على تركه ، لا لأن ترك التزويج من حيث هو كذلك مطلوب ، ومراد حتى يدل على مرجوحيته . 3 - ما أفاده جمع بقولهم : أن مدحه ليس على ترك التزويج حتى يدل على مرجوحيته ، بل على انكسار الشهوة الطبيعية له بغلبة الخوف ، واستيلاء الخشية وقهرها بالعبادات و الرياضيات ، ولا ريب في حسن ذلك ومدحه ، وإن أدى إلى ترك التزويج المطلوب : فإن تأدية الشئ إلى ترك أمر مطلوب لا ينافي حسنه لتمانع أكثر الطاعات مع اتصاف جميعها بالحسن وإنما أطلق عليه ، لأن وجود الشهوة فيه بمنزلة العدم فكأنه حصور لا شهوة له أصلا وليس اطلاقه عليه لترك النساء حتى يكون مدحا له على ذلك انتهى . سائر الطرق : وأما : سائر الطرق الثلاثة فليس فيها منع شرعي من حيث هي ، وإن كانت مرغوبا عنها من حيث منافاتها للاستيلاد وتكثير الأولاد الذي تقدم أنه مطلوب شرعي ، إلا أنه من جهة انطباق عنوان ثانوي عليه ، وهو اختلال النظام الذي لا ريب في أن مفسدته أهم وأكثر من مصلحة التكثير ، لا ينبغي التوقف في رجحانها ، بل ربما تكون واجبة ، فإن رعاية مصلحة الاجتماع قد تجب فإذا لزم من ازدياد النسل اختلال النظام لا بد شرعا من تحديده