ذلك من الأسئلة التي يمكن أن تطرح من هذا القبيل . ونسمي هذا الجانب الذي لا يمكن تفسيره من العبادات بالجانب الغيبي منها . ونحن نجد هذا الجانب بشكل وآخر في أكثر العبادات التي جاءت بها الشريعة ، ومن هنا يمكن اعتبار الغيبة بالمعنى الذي ذكرناه ظاهرة عامة في العبادات ومن ملامحها المشتركة . وهذه الغيبة مرتبطة بالعبادات ودورها المفروض ارتباطا عضويا ، ذلك لان دور العبادات كما عرفنا سابقا هو تأكيد الايمان والارتباط بالمطلق وترسيخه عمليا ، وكلما كان عنصر الانقياد والاستسلام في العبادة أكبر كان اثرها في تعميق الربط بين العابد وربه أقوى . فإذا كان العمل الذي يمارسه العابد مفهوما بكل ابعاده واضح الحكمة والمصلحة في كل تفاصيله تضاءل فيه عنصر الاستسلام والانقياد ، وطغت عليه دوافع المصلحة والمنفعة ، ولم يعد عبادة لله بقدر ما هو عمل نافع يمارسه العابد لكي ينتفع به ويستفيد من آثاره . فكما تنمي وترسخ روح الطاعة والارتباط في نفس الجندي خلال التدريب العسكري ، بتوجيه أوامر إليه وتكليفه بأن يمتثلها تعبدا وبدون مناقشة ، كذلك ينمي ويرسخ شعور الانسان العابد بالارتباط بربه بتكليفه بأن يمارس هذه العبادات بجوانبها الغيبية انقيادا واستسلاما . فالانقياد والاستسلام يتطلب افتراض جانب غيبي ، ومحاولة التساؤل عن هذا الجانب الغيبي من العبادة والمطالبة بتفسيره وتحديد المصلحة فيه يعني تفريغ العبادة من حقيقتها ، كتعبير عملي عن الاستسلام والانقياد ، وقياسها بمقاييس المصلحة والمنفعة كأي عمل آخر . ونلاحظ ان هذه الغيبية لا اثر لها تقريبا في العبادات التي تمثل مصلحة اجتماعية كبيرة ، تتعارض مع مصلحة الانسان العابد الشخصية ، كما