وقعت عيناي عليها حتى أسرتني فرحة غامرة ، هزت كياني كله هزا عنيفا ، أو هكذا خيل إلي . - ها هي ذي كتب الفقه الإسلامي ، لقد وصلت أخيرا إلى غايتي . . سأقرؤها ، وسأجد فيها إجابات شافية عن أسئلتي . . . . وسأستريح . وعدت إلى غرفتي لهفان مسرعا ، مزهوا بما أنجزت ، فتحت الباب على عجل ، ودخلت الغرفة على عجل ، وفتحت كتابي على عجل . وما أن بدأت أقرأ حتى ارتسمت على ملامحي خطوط من غرابة متوحشة أول الأمر ، سرعان ما تحولت إلى دهشة مكتومة ، ثم استقرت متخذة شكل وجع حارق متوهج مؤلم . لقد وجدت نفسي أقرأ كثيرا ، ولا أفهم شيئا ذا بال مما قرأت . ترى كيف لي أن أعالج حيرتي ، وحيرتي من نوع خاص غير مألوف . وكابرت ، قلت : فلأواصل القراءة ، ومحاولة الفهم ، وإعادة القراءة . وإعادة محاولة الفهم ، علني أستفيد . ومر الوقت ثقيلا ، بطيئا ، متأنيا ، كان صدري يرزح خلاله تحت ثقل ضاغط ، جاثم ، لا ينفك يطاردني ، ويضيق خناقه علي ، وبين يدي الكتاب وأنا أتلو ، ثم أعيد تلاوة ما تلوت ، ولا أفهم شيئا . وبدأت سحب الخيبة تتجمع حولي شيئا فشيئا ، ثم راحت تتحول تدريجيا إلى ما يشبه سحابة من حزن شفيف تطلع بين عيني .