ومنه الحديث : " إن هذين الحيين من الأوس والخزرج ، كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تصاول الفحلين ، لا تصنع أحدهما شيئا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء إلا قال الآخر : لا يذهبون بها فضلا علينا ، فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها " . وكان في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني بك أحاول ، وبك أصاول " . وأما قول أم سلمة رضي الله عنها : " لا تعف سبيلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبها " تريد : لا تأخذ في غير الطريق التي أخذ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتعفو سبيله ، أي : تدرس تبركك الأخذ فيها ، يقال : عفا المنزل ، وعفته الريح ، إذا درس . والعفاء : موت الأثر . وقد ذكرنا ذلك . وقولها : لحبها ، أي : نهجها ، والطريق اللاحب هو المستقيم الواضح ا لذي لا ينقطع . وقولها : ولا تقدح زندا كان أكباها ، يقال : كبا الزند يكبو ، كبوا ، إذا لم يور ، أي : لم يخرج نار . وأكبيته أنا ، عطلته فلم أور به ، وأرادت لا تستعن على أمرك بمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عطله ، فلم يستعن به . يريد في العمل ، أو في الرأي . وأحسبها ذهبت في ذلك إلى بعض أقاربه . وقولها : توخ حيث ما توخى صاحباك ، تريد : تحر ما تحرياه ، فإنهما ثكما الأمر ثكما ، أي : لزماه ، يعني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يفارقاه ، يقال : ثكمت المكان أثكمه ، وثكمت الطريق إذا لزمته ، وكذلك رمكت ورجبت ، ومكدت بالمكان ، كل هذا إذا أقمت به ولم تبرح . وقولها : لم يظلماه ، أي : لم يعدلا عنه ، وأصل الظلم : وضع الشئ في غير موضعه ، ومثله في حديث ابن زمل : " كبورا رواحلهم في الطريق ، فلم يظلموه يمينا ولا شمالا " . وقال أبو محمد في حديث عثمان رضي الله عنه ، إن خيفان ابن عرابة قدم عليه فقال له : كيف تركت أفاريق العرب في ذي اليمن ؟ فقال : أما هذا الحي من بلحارث بن كعب ، فحسك أمراس ، ومسك أحماس ، تتلظى المنية في