لأنك إنما ابتدأت بالاسم لغرض الاخبار عنه ، والغرض وإن كان متأخرا في الوجود ، إلا أنه متقدم في القصد ، وهو العلة الغائية وهو الذي يقال فيه : أول الفكر آخر العمل فيرفع كل منهما صاحبه بالتقدم الذي فيه ، فترافع المبتدأ والخبر ، إذن ، كعمل كلمة الشرط والشرط ، كل منهما في الاخر في نحو قوله تعالى : " أيا ما تدعوا " [1] ، فأداة الشرط متقدمة على الشرط ، إذ هي مؤثرة لمعنى الشرط فيه ، متأخرة عنه تأخر الفضلات عن العمد ، فالمبتدأ والخبر ، على هذا التقدير ، أصلان في الرفع ، كالفاعل ، وليسا بمحمولين في الرفع عليه ، وهو مذهب الأخفش [2] ، وابن السراج [3] ، ولا دليل على ما يعزى إلى الخليل [4] من كونهما فرعين على الفاعل ، ولا على ما يعزى إلى سيبويه من كون المبتدأ أصل الفاعل في الرفع . وعلى التقرير المذكور : التمييز ، والحال ، والمستثنى الفضلة ، أصول في النصب كالمفعول ، وليست بمحمولة عليه ، كما هو مذهب النحاة . ولما كان مستنكرا في ظاهر الامر ترافع المبتدأ والخبر لما تقرر في الأذهان من تقدم المؤثر على الأثر ، واستحالة تقدم الشئ على مؤثره ضعف عملهما ، فنسخ عملهما كثير مما دخل عليهما مؤثرا فيهما معنى ، ككان ، وظن ، وكان ، وإن ، وأخواتها ، وما ، ولا التبرئة [5] ، على ما يجئ في أبوابها ، فصارت العمدة في صورة الفضلة منتصبة ، وهي اسم
[1] الآية 110 من سورة الإسراء [2] الأخفش إذا أطلق كان المراد به : أبا الحسن سعيد بن مسعدة تلميذه سيبويه ، وهو الأخفش الأوسط . أما الأكبر فهو أبو الخطاب عبد الحميد شيخ سيبويه والأخفش الأصغر هو أبو الحسن علي بن سليمان تلميذ المبرد . [3] ابن السراج هو : أبو بكر محمد بن السرى ، أخذ عن المبرد وقرأ عليه كتاب سيبويه توفي سنة 310 ه [4] الخليل بن أحمد الفراهيدي أو الفرهودي ، إمام في النحو واللغة وهو واضع علم العروض ونسب إليه أنه واضع علم النحو وهو شيخ سيبويه وتلميذ أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وغيرهما من أوائل أئمة النحو ، وأكثر ما جاء في كتاب سيبويه منقول عنه . [5] يطلق النحاة على " لا " النافية للجنس : لا التبرئة ، لأنها بسبب نفي معنى الخبر عن الاسم كأنها برأت الاسم من الاتصاف بمضمون الخبر .