بان تقدير " اتق " تحذيرا مما بعد ذلك المعمول ، كالأسد الذي بعد إياك ، وتقدير اتق ، ههنا فيه بعض السماجة من حيث المعنى ، إذ يصير المعنى : اتق نفسك من الأسد ، ولا يقال اتقيت زيدا من الأسد ، أي نحيته ، ولو قال بتقدير " نح " أو " بعد " كان أولى . قوله : " أو ذكر المحذر منه مكررا " ، فيه نظر ، وذلك أن " ذكر " مصدر ، ففي عطفه على قوله معمول ، بعد من حيث المعنى ، إلا أن يقدر في الأول مضاف ، أي هو ذكر معمول ، أو ذكر المحذر منه ، وفيه نظر أيضا ، لان مراده بالتحذير : هذا المنصوب [1] لأنه في تقسيم المنصوبات ، ألا ترى إلى قوله : الثاني المنادى ، الثالث ، ما أضمر عامله ، فلا يصح : الرابع ذكر منصوب حكمه كذا . وفي بعض النسخ ، أو ذكر بلفظ ما لم يسم فاعله ، وليس بوجه ، لان " أو " ههنا متصلة من حيث المعنى فينبغي أن يليها مثل المذكور قبل ، كما في نحو : جاءني زيد أو عمرو ، بلى ، لو كانت منفصلة [2] جازت المخالفة بين ما بعدها وما قبلها ، تقول : أنا مقيم ثم يبدو لك ، فتقول : أو أمشي ، بمعنى بل أنا أمشي ، فيكون للاضراب عن الأول والاثبات للثاني ، كما يجئ في حروف العطف ، قال سيبويه في قوله تعالى : " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " [3] ، لو قال أو لا تطع كفورا ، لانقلب المعنى ، لأنها ، إذن ، إضرابية بمعنى بل ، فتكون للاضراب عن النهي عن طاعة الاثم ، فلو قلنا ههنا : أو ذكر ، لكان إضرابا عن قوله : معمول بتقدير اتق ، ولا يستقيم فعلى كل وجه في لفظه نظر . وضابط هذا الباب أن تقول : كل محذر معمول لا حذر أو بعد ، أو شبههما ، مذكور بعده ما هو المحذر منه إما بواو العطف أو بمن ظاهرة أو مقدرة ، يجب اضمار عامله ، وكذا كل محذر منه مكرر ، معمول لبعد ، فيدخل في الأول نحو : إياك والأسد وإياي
[1] تقدم أنه قال أن لفظ إياك والأسد ونحوه هو آلة التحذير . والأسلوب المستعمل فيه ولكنه يقصد أن عبارة ابن الحاجب فيها أن التحذير هو نفس الاسم المنصوب . [2] يريد أن يراد بها الاضراب . كما يتبين من شرحه وتمثيله . [3] الآية 25 من سورة الدهر .