والمثال الذي أورده المصنف من الكتاب العزيز أعني قوله تعالى : " إنا كل شئ خلقناه بقدر " [1] ، لا يتفاوت فيه المعنى كما يتفاوت في مثالنا ، سواء جعلت الفعل خبرا أو صفة ، فلا يصلح ، إذن ، للتمثيل وذلك لان مراده تعالى بكل شئ : كل مخلوق ، نصبت " كل " أو رفعته ، وسواء جعلت " خلقناه " صفة ، مع الرفع أو خبرا عنه . وذلك أن قوله تعالى خلقنا كل شئ بقدر ، لا يريد به خلقنا كل ما يقع عليه اسم " شئ " ، فكل شئ في هذه الآية ليس كما في قوله تعالى : " والله على كل شئ قدير " [2] ، لان معناه أنه قادر على كل ممكن غير متناه . فإذا تقرر هذا قلنا : ان معنى : كل شئ خلقناه بقدر ، على أن " خلقناه " هو الخبر : كل مخلوق : مخلوق بقدر ، وعلى أن " خلقناه " صفة : كل شئ مخلوق : كائن بقدر ، والمعنيان واحد ، إذ لفظ كل شئ ، في الآية مختص بالمخلوقات ، سواء كان خلقناه صفة له ، أو خبرا ، وليس مع التقدير الأول أعم منه مع التقدير الثاني كما كان في مثالنا [3] . ويختار النصب ، أيضا ، إذا كان الكلام جوابا عن استفهام بجملة فعلية ، كما إذا قيل : أرأيت أحدا ، أو أيهم ، أو غلام أيهم رأيت ، فتقول : زيدا رايته ، وإنما كان النصب أولى ليطابق الجواب السؤال في كونهما فعليتين . وكذا إذا قيل : أضارب الزيدان أحدا ، قلت : زيدا يضربان ، لان معناه : أيضرب الزيدان أحدا ، فهو مقدر بالفعلية . واختار الكسائي النصب إذا كان الاسم المحدود بعد اسم هو فاعل في المعنى ، نحو : زيد هندا يضربها ، فزيد في المعنى هو الضارب ، وإن كان في اللفظ مبتدأ ، فنصب " هند " أولى ، لأنه كأنه قيل : يضرب زيد هندا .
[1] الآية 49 من سورة القمر ، وتقدمت . [2] الآية 284 من سورة البقرة ، ومثلها في القران كثير والمقصود منها كلمة شئ . [3] أجاب السيد الجرجاني هنا عن المصنف بان المثال صحيح مطابق إذا دقق النظر فيه .