ذلك ألسنتهم ، فصار الامر إلى أن صرفوه في الاختيار ، أيضا ، وعليه حمل قوله تعالى : " سلاسلا ، وأغلالا ، وقواريرا " [1] وقال هو والكسائي : ان صرف مالا ينصرف مطلقا لغة قوم ، الا " أفعل منك " ، وأنكره غيرهما ، إذ ليس بمشهور عن أحد في الاختيار نحو : جاءني احمد وإبراهيم ، ونحو ذلك ، واما للضرورة فلا خلاف في جواز صرفه فلا يصرف ما فيه الألف المقصورة لعدم الضرورة [2] . ومنع الكوفيون صرف " أفعل من " في الضرورة ، لان " من " مع مجروره كالمضاف إليه ، فلا ينون ما هو كالمضاف ، والأصل الجواز ، لان الكلام في الضرورة ، وفرق بين المضاف ، وما هو كالمضاف . وجوز الكوفيون وبعض البصريين للضرورة ترك صرف المنصرف ، لا مطلقا ، بل بشرط العلمية دون غيرها من الأسباب لقوتها ، كما نبين لك عند الكلام في تفصيل الأسباب ، وذلك بكونها شرطا لكثير من الأسباب مع كونها سببا ، واستشهدوا بقوله : 17 - فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع [3]
[1] من الآيتين 4 ، 15 من سورة الدهر . [2] جوزه بعضهم واستدل عليه بقول الشاعر : اني مقسم ما ملكت فجاعل * جزءا لآخرتي ودنيا تنفع بتنوين " دنيا " والخلاف بينهم مبني على خلافهم في معنى الضرورة : هل هي ما وقع في الشعر وان كان للشاعر عنه مندوحة أو هي مالا ليس للشاعر عنه مندوحة . [3] من أبيات للعباس بن مرداس السلمي الصحابي : قالها وقد أعطاه الرسول من غنائم حنين بعض الإبل في حين أنه أعطى كثيرا من المؤلفة قلوبهم كلا منهم مائة بعير فقال العباس هذه الأبيات ومنها : وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع وحصن وحابس ، هما والدا : عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وكانا ممن أعطاهما الرسول مائة بعير ، فلما قال ذلك أمر النبي بارضائه ، فأعطي مثل ما أعطوا .