وكيف رجاحةُ أحلامها إذا خفَّ الحليم ، وحدَّةُ أذهانها إذا كَل الحديد [1] ، وكيفَ صَبْرُها عند اللقاء ، وثباتها في اللأْواء [2] ، وكيف وفاؤُها إذا استحْسِن الغَدْرُ ، وكيفَ جُودُها إذا حُبَّ المالَ ، وكيفَ ذِكرها لأحاديثِ غدٍ وقلّةُ صدودِها عن جهة القَصْدِ [3] ، وكيف إقرارُها بالحق ، وصفها عليه ، وكيف وصفُها له ، ودعاؤها إليه ، وكيف سماحة أخلاقها ، وصونُهَا لأعراقها ، وكيف وصلوا قديمَهم بحديثهم ، وطريفَهم بتليدِهم ، وكيف أشبه علانيتَهم سرُّهم ، وقولَهم فِعْلُهم . وهل سلامةَ صدرِ أحدهم إلاَ على قدر بُعْدِ غورِه [4] ؟ وهل غفلته إلاَ في وزن صدق ظنّه ، وهل ظنّه إلا كيقين غيره ؟ وقال عمر : إنك لا تنتفع بعقله حتى تنتفع بظنّه . قال أوس بن حَجَر [5] : المنسرح : الألْمَعي الذي يَظنُّ لك الظَّ . . . ن كأنْ قَدْ رَأى وقّد سَمِعَا وقال آخر : المتقارب : مليح نجيح أخُو مازنٍ . . . فصيح يُحَدِّثُ بالغائبِ وقال بلعاء بن قيس : الطويل : وَأَبْغي صَوَابَ الرًأي أعْلَمُ أنهُ . . . إذَا طاش ظَن الْمَرء طاشَتْ مَقَادِرُه بل قد علم الناس كيف جمالُها وقَوامُها ، وكيف نماؤُها وبهاؤها ، وكيف سَروها ونَجابتُها [6] ، وكيف بيانُها وجَهارتها ، وكيف تفكيرها وبدَاهتها ،
[1] الحديد : القوى الذهن [2] اللأواء : الشدة [3] القصد : الغرض [4] الغور : القعر من كل شيء . وفلان بعيد الغور : متعمق النظر ، وهو بحر لا يدرك غوره ، وفي الأصل « بعد غوره » بالدال ، وأحسب أنه تحريف [5] أوس بن حجر : هو شاعر تميم في الجاهلية ، مات قبل الإسلام ، وهو صاحب العينية التي قيل في مطلعها إنه أشجى بيت ، وهو قوله : أيتها النفس أجملي جزعاً * أن الذي تحذرين قد وقعا [6] السرو : الشرف . والنجابة : كرم الحسب