مرحباً بكم يا معشر العرب ، أما والله لئن فَرَّقَتْ بينكم الدعوة ، لقد جمعتكم الرَحِم ؛ إن الله اختاركم من الناس ليختارَنا منكم ، ثم حفظ عليكم نَسَبَكُمْ بأن تخيَّر لكم بلاداً تجتاز عليها المنازل ، حتى صفَاكم من الأُمم كما تُصَفَّى الفضةُ البيضاء من خَبَثِهَا ؛ فصونوا أخلاقكم ، ولا تُدنسُوا أنسابَكم وأعراضَكم ، فإن الحسنَ منكم أحسَنُ لِقُرْبكم منه ، والقبيح منكم أقبح لبعدكم عنه . فقال الأحنف : واللّه يا أمير المؤمنين ، ما نَعْدَم منكم قائلاً جزيلاً [1] ، ورأياً أصيلاً ، ووعداً جميلاً ؛ وإن أخاك زياداً لمتبعٌ آثارَك فينا ، فنستمتع اللّه بالأمير والمأمور ، فإنكم كما قال زُهَيْر ، فإنه ألقى على المدَاحين فصول القول : الطويل وما يكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإنَّمَا . . . تَوَارَثَهُ آباءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ وهَلْ يُنْبِتُ الْخَطَيَّ إلاَّ وَشِيجُهُ . . . وتُغْرِسُ إلاَ في مَنَابِتِهَا النَخْلُ ؟ [2] وهذان البيتان لزهير بن أبي سلمى المزني في قصيدة يقول فيها : وفيهِمْ مقامَات حِسَانٌ وُجُوهُهَا . . . وَأَنْدِيًةٌ يَنتابُهَا الْقَوْلُ والْفعْلُ عَلَى مُكْثِريهِمْ رزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِم . . . وعندَ المُقلَينَ السَّمَاحَةُ والْبَذْلُ سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْم لِكَيْ يُدْرِكُوهُم . . . فلم يفعلوا ولم يُلِيمُوا ولم يَأْلُوا [3] قال بعضُ أهل العلم بالمعاني : أعْجِبْ بقوله : ولم يألوا ؛ لأنه لما ذكر السعي بعدهم ، والتخلّف عن بلوغ مساعيهم ، جاز أن يتوهّم السامع أن ذلك لتقصير الطالبين في طلبهم ؛ فأخبر أنهم لم يألوا ، وأنهم كانوا غيرَ مقصرين وأنهم - مع الاجتهاد - في المتأخرين ؛ ثم لم يَرْضَ بأن يجعل مجدَهُم طارفاً
[1] القائل الجزيل : الذي يقول جزل الكلام ، وهو العاقل الأصيل الرأي ، وفي نسخة « نائلاً جزيلاً » ( م ) [2] الخطي : نسبة إلى الخط وهو مرفأ السفن البحرين وتنسب إليه الرماح ، لأنها تباع به لا أنه منبتها - والوشيج : عروق القصب [3] لم يألوا : لم يقصروا .